أخرى، وكلها صور من الأزجال وأشكال. ونجد المصادر التاريخية والأدبية لا تعنى بابن عمير إلا ما كان من صفى الدين الحلى فقد ذكره مرارا فى كتابه العاطل الحالى، وذكر مطالع خمسة أزجال له وجزءا من زجل ليس مطلعا ونعتقد أنه كان أمامه ديوان ابن عمير الزجلى وأخذ منه الأمثلة التى ضمنها كتابه، ومن مطالعه التى ذكرها فى ص ٣٢:
أنكرت شيبى من بليت بيها ... كل من عاش يشيب
إنما هى ملاحة البستان ... بالنّوار العجيب
ولا حظ صفى الدين أنه خفف الواو فى كلمة «النّوار» فلم ينطقها مشددة كما فى أصلها، بل نطقها مفتوحة مخففة. ومن مطالع أزجاله التى أنشدها له فى ص ٥٦ قوله:
يا حبيب قلبى تعطّف ... بعض هذا الهجر يكفا
دموع عينى ما ترقا ... ولهيب قلبى ما يطفا
ولا حظ صفىّ الدين أن كلمة يكفا محرّفة عن «يكفى» بقلب الياء ألفا لتماثل الألف فى كلمة «يطفا». وأنشد ابن خلدون له زجلا طويلا لعله مما سماه عروض البلد يقول فى مطلعه:
أبكانى بشاطى النّهر نوح الحمام ... على الغصن فى البستان قريب الصباح
وكفّ السّحر تمحو مداد الظلام ... وماء النّدى يجرى بثغر الأقاح
باكرت الرّياض والطّل فيه افتراق ... سرّ الجواهر فى نحور الجوار
ودمع النّواعر ينهرق انهراق ... يحاكى ثعابين حلّقت بالثّمار
لووا بالغصون خلخال على كل ساق ... ودار الجميع بالروض دور السّوار
وأيدى النّدى تخرق جيوب الكمام ... وتحمل نسيم المسك عنها رياح
وعاج الضّيا يطلى بمسك الغمام ... وجرّ النسيم ذيلو عليها وفاح
والزجل مكتظ بصور فريدة من ابتكار ابن عمير، فمداد الظلام الأسود يمحوه كف السحر الأبيض، ويشبه الشعراء الأقحوان بالثغر فيضيف ابن عمير أن ماء الندى يجرى فيه، ويقول باكرت الرياض والطل يتساقط والجواهر كأنها مسرورة بمكانها من نحور الجوارى الفاتنات، والسواقى تذرف الدمع مدرارا وكأنما يحاكى الماء فى قنواته أفاعى تريد أن تحلق بالثمار وقد استوت الغصون خلاخيل على سيقان الأشجار، ودار كل ذلك فى الروض دور السوار، وينفذ إلى تصوير مبتكر فأيدى النّدى فى الصباح الباكر كأنما تخرق كمام الزهر بل جيوبه، وتحمل عنها الرياح نسيم المسك العاطر، وأخذ الضياء يعمه الغمام، أو كما يقول، يطلى بمسك الغمام، وجرّ النسيم ذيل ردائه عليه وفاح وسطعت رائحته سطوعا شديدا. وتمتلئ بقية الزجل بمثل هذه الصور البديعة فى حوار رائع بين ابن عمير والحمام. وبحق