للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طه حسين على هذا الظن أنه يونانى الأصل (١)، بينما ذهب بروكلمان إلى أن اسم تدوس يشيع بين نصارى السريان (٢). ونصرانية أبيه-إن صحت-لا تنفيه من العرب ولا من طيئ، فقد كانت النصرانية شائعة من قديم فيها، وجمهور من ترجموا له من الثقات يذهبون إلى أنه طائى صليبة (٣)، ويشهد لذلك فخره المضطرم بطيئ وأنه اختار منها أكثر ممدوحيه، ونوّه تنويها عظيما بمن سجّلوا لها فى عصره أمجادا حربية، مما يدل على أنه طائى عريق وعربى أصيل.

وقد تضاربت الآراء أيضا فى نشأته، فقيل إنه نشأ بمصر يسقى الناس فى مسجدها الكبير، وأكثر المؤرخين له على أنه نشأ بدمشق وأن أباه كان عطارا فيها وأنه الحقه بحائك كى يحسن حياكة الثياب. ويبدو أنه أخذ يختلف-منذ نعومة أظفاره-إلى حلقات المساجد ينهل مما كان يجرى فيها من جداول الشعر والثقافة، وسرعان ما تدفق ينبوع الشعر على لسانه، واتجه به إلى بعض اليمنيين والطائيين فى بلدته وفى حمص مثل نوح بن عمرو السّكسكىّ وبنى عبد الكريم الطائيين.

ونراه يولّى وجهه نحو مصر قاصدا عيّاش بن لهيعة الحضرمى الذى كان يقوم أحيانا على شرطتها وخراجها، وله يقول فى إحدى مدائحه (٤):

وأنت بمصر غايتى وقرابتى ... بها وبنو الآباء فيها بنو أبى

وهو يشير دائما فى مديحه له إلى حرمته منه وأنه يمنى مثله، ويلجّج فى الافتخار بملوك اليمن وأقيالها القدماء. ويظهر أنه عاد فازورّ عنه، مما جعله يكثر من عتابه، حتى إذا يئس منه أصلاه بنار هجائه. وليس بين أيدينا ما يدلّ دلالة صريحة على تاريخ قصده إلى عياش، غير أن فى كتاب «الولاة والقضاة» للكندى أشعارا له تتصل بأحداث مصر بين سنتى ٢١١ و ٢١٤ مما يؤكد مقامه بها فى تلك الفترة، وفى هذه الأشعار ما يدل على أنه تعرّف على عبد الله بن طاهر فى ولايته على مصر (٢١١ - ٢١٣ هـ‍) وقد نوّه به وبقضائه فيها على الفتن. وفى ديوانه بيتان هجا بهما


(١) مقدمة نقد النثر لقدامة (طبع لجنة التأليف والترجمة والنشر) ص ٩ وانظر مقالته عنه فى كتابه «من حديث الشعر والنثر».
(٢) تاريخ الأدب العربى لبروكلمان (طبع دار المعارف) ٢/ ٧٢.
(٣) ص ٥٩ والأغانى ١٧/ ٣٨٣ وجمهرة أنساب العرب لا بن حزم (الطبعة الثانية بدار المعارف) ص ٣٩٩.
(٤) الديوان (طبع دار المعارف) ١/ ١٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>