للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رواجع يحملن النّهاب ولم تكن ... كتائبه إلا على النهب ترجع

هوى جبل الدنيا المنيع وغيثها ال‍ ... مريع وحاميها الكمىّ المشيّع (١)

واستنفد أبو دلف بعطاياه السنية أكثر مدائحه حتى لم يكد يبقى فيه شيئا لغيره، إلا ما كان من حميد الطوسى، ومدائحه فيه أبدع وأروع، وقد طار منها كثير على كل لسان من مثل قوله فيه:

ملك تندى أنامله ... كانبلاج النّوء عن مطره (٢)

مستهلّ عن مواهبه ... كابتسام الروض عن زهره

إنما الدّنيا أبو دلف ... بين مغزاه ومحتضره

فإذا ولّى أبو دلف ... ولّت الدنيا على أثره

وقوله وقد أسرف فى المبالغة:

أنت الذى تنزل الأيّام منزلها ... وتنقل الدّهر من حال إلى حال

وما مددت مدى طرف إلى أحد ... إلا قضيت بأرزاق وآجال

ويقال إنه كان يثير المأمون بمثل هذا الشعر فى أبى دلف وشعره الآخر فى ابن حميد، فطلبه وهرب منه إلى الجزيرة، وحمل إليه فأمر بإخراج لسانه من قفاه ثم قتله. وقد رفض ابن المعتز وأبو الفرج هذه الرواية الكاذبة على المأمون المعروف باتساع أفقه وسماحة نفسه وكرم سجاياه، وقالا إنه مات حتف أنفه. وقال بعض من ترجموا له إنه مات سنة ٢١٣ وفى أخباره أنه رحل إلى عبد الله بن طاهر فى ولايته على خراسان ومدحه فأجزل صلته واستأذنه فى الرجوع، فسأله أن يقيم واتصل برّه به، فلما طال مقامه اشتاق إلى أهله، فدخل إليه وأنشده من قصيدة تأذنا فى القفول إلى موطنه:

ملك عزمه الزما ... ن وأفعاله الدّول


(١) المريع: الخصيب. الكمى: الشجاع
(٢) النوء: نجوم تظهر قبل المطر.

<<  <  ج: ص:  >  >>