للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكانت فى حماد رعونة شديدة جعلته يتبادل الهجاء حتى مع أصدقائه مثل مطيع بن إياس، وكان مبعث تهاجيهما تنافسهما على بعض القيان. ولعل شاعرا لم يهج فى هذا العصر كما هجى أبان بن عبد الحميد، وقد عرضنا لتهاجيه مع أبى نواس، وممن أكثر من تبادل الهجاء معه المعذّل بن غيلان، وفيه يقول (١):

صحّفت أمّك إذ سمّ‍ ... تك بالمهد أبانا

قد علمنا ما أرادت ... لم ترد إلا أتانا

صيّرت باء مكان التّ‍ ... اء والله عيانا

قطع الله وشيكا ... من مسمّيك اللّسانا

وكان أبو نواس كثير التعابث فأكثر من هجاء زملائه، وسلقوه بألسنة حداد، وفى مقدمتهم الفضل بن عبد الصمد الرقاشى، وكان كثيرا ما يهجوه بأنه ليس عربيّا وأنه دعىّ فى ولائه لبنى سعد العشيرة القحطانيين، مما جعله يرد عليه بمثل قوله (٢).

وجدنا الفضل أبعد من رقاش ... من الأتن ادّعت فيها الفيول

وجدنا الفضل أكرم من رقاش ... لأن الفضل مولاه الرسول

يشير بذلك إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «أنا مولى من لا مولى له».

قد مرّ بنا تهاجى أبى العتاهية ووالبة، وكيف انتصر عليه أبو العتاهية انتصارا حاسما حتى فرّ منه راجعا إلى الكوفة وخمل ذكره. واصطدم أبو العتاهية بسلم الخاسر، فتبادلا الهجاء على نحو ما صورنا ذلك فى ترجمتنا لأولهما، وكان سلم يرميه بأنه كاذب فى زهده ويرميه أبو العتاهية بشحّ نفسه وما يجره ذلك عليه من الذل. وممن اصطدم به مروان بن أبى حفصة وأبو الشمقمق وشاعر يسمى الجنّىّ وله يقول (٣):

غدا اللّؤم يبغى مطرحا لرحاله ... فنقّب فى برّ البلاد وفى البحر


(١) أغانى (طبعة دار الكتب) ١٣/ ٢٢٧.
(٢) ديوان أبى نواس. وأغانى (ساسى) ١٥/ ٣٤.
(٣) أغانى ١٠/ ٩٢ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>