تنزل به بعض الكوارث، وحينئذ إما أن يحاول استرداد ماله من بعض من أعطاه لهم. ويردّ خائبا محسورا. وإما أن يشكو إلى بعض الناس قلته ولكن لن يرحموه، وفى الحالين يكون قد ضعف عن الكسب وطلب الرزق وبذلك ضيّق سهل الأبواب على من يتسع فى العطاء والإنفاق حين تتقدم به السن، بل لقد أغلقها إغلاقا إلا بابا واحدا فتحه على مصاريعه هو باب الشح. وتؤديه غزارة معانيه وأفكاره وحججه وأدلته إلى أن يثير موضوعا طريفا، هو الموازنة بين العلم والمال وأيهما أفضل من صاحبه، ويورد من الأدلة ما يجعل المال يفضل العلم، ويقتبس من الفقهاء حديثهم عن الأصول والفروع، فيجعل المال الأصل والعلم والفرع، ولا يستوى فرع وأصل. وسهل فى ذلك كله يرينا تطور العقل فى العصر العباسى ومدى ما أصابه من رقى ومن نمو ومن ثراء ومن قدرة على الحجاج وبسط الأدلة، حتى ليتحول الكاتب بإزاء بعض الموضوعات إلى ما يشبه مناظرا جدلا، لا يزال يورد من الحجج والأدلة المنطقية ما يحاول به أن يفحم خصمه ويقهره. ويظهر أن هذه الطريقة استقرّت فى نفس سهل بتأثير المتناظرين من المتكلمين فى عصره وكثرة مناظراتهم فى كل شئ، فى العقيدة وغير العقيدة، وكان يرى الناس من حوله يعجبون بالظافر المنتصر على خصمه، وخاصة حين يدافع عن رأى ضعيف، فينصره نصرا مؤزرا، على نحو ما نصر البخل على الكرم، ومن أجل ذلك نفتح الباب للظن بأنه ربّما لم ينصره شعوبية على العرب، وإنما نصره إظهارا لقوة جدله ومقدرته فى صوغ الأدلة وتأليف الحجج والبراهين، أو على الأقل كان بيان قدرته على الدفاع عن البخل الأثيم أقوى فى نفسه من الطعن على فضيلة الكرم العربية. ومما يوضع هذا الجانب عنده أن نراه يفضل الزجاج على الذهب فى رسالة طويلة وكان سبب كتابته لها أن رأى النظّام يذم الزجاج، كما رأى شدادا الحارثى يطنب فى وصف الذهب، فكتب هذه الرسالة معارضة لهما ونصرة للزجاج الضعيف، وقد سقطت من يد الزمن إلا قطعة منها رواها صاحب سرح العيون، وهى تمضى على هذا النمط:
«الزجاج مجلوّ نورى، والذهب متاع سائر، والشراب فى الزجاج أحسن منه فى كل معدن، ولا يفقد معه وجه النديم، ولا يثقل اليد، ولا يرتفع فى