لديوان الرسائل فى العصر، وعنه كانت تصدر الكتابات الديوانية من منشورات وغير منشورات، وهو يعنى بدقة ألفاظه واصطفاء كلماته وحسن جرسها فى الأداء. والجاحظ أكبر كتّاب العصر غير منازع، وكتاباته مرآة صافية لعصره بجميع طبقاته، مع ما يسرى فيها من الاستطراد ومن روح الدعابة، ومع ما تموج به من أسلوب الازدواج الرائع. وقد عرضت خمسة ألوان من فنه النّشرى، هى المناظرة، والرسائل الإخوانية، والرسائل الأدبية، والقصص، والنوادر. وابن قتيبة أكبر مؤلف أدبى بعده، وهو يمزج فى كتابه:«عيون الأخبار» بين الثقافات العربية والإسلامية والفارسية والهندية واليونانية وكذلك ثقافة أهل الكتاب. وبذلك ألغى الحواجز بين تلك الثقافات مثبتا أنها أقواس وهمية، فقد استحالت جميعها فى كتابه ثقافة عربية، ولم يعد يرتفع صوت للشعوبية. ويتشبّه ابن قتيبة كثيرا بالجاحظ فى تمسكه بالواقع ومزج الهزل بالجدّ وفى استخدامه لأسلوب الازدواج من حين إلى حين. وما زال سعيد بن حميد يرقى فى الدواوين، حتى أسند له ديوان الرسائل، وكان يعنى بالتدقيق فى ألفاظه ومعانيه، نافذا من خلال حيل عقلية كثيرة إلى أفكار مبتكرة طريفة، مع تقطيعات صوتية تضفى على أسلوبه جمالا. ويلمع اسم أبى العباس بن ثوابة، وكان بدوره من رؤساء ديوان الرسائل، وكان يكثر من التأنق والتكلف فى كتابته. مما جعله يستخدم فيها أحيانا السجع، مع العناية بالتصوير، ومع وزن الكلام بمعيار بيانىّ دقيق.