للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخاه عاكفا على ملذاته، واحتمل أعباء الخلافة فى البطولة والحرب والنفوذ من المشكلات الصعاب، بحيث أصبح هو الخليفة الحقيقى، أما أخوه المعتمد فلم يكن له من الخلافة سوى الاسم وصوّر ذلك بنفسه قائلا (١):

أليس من العجائب أنّ مثلى ... يرى ما قلّ ممتنعا عليه

وتؤخذ باسمه الدنيا جميعا ... وما من ذاك شئ فى يديه

وتصادف أن توفى الموفق قبل المعتمد بقليل وكان وليّا للعهد، فجعل المعتمد ولاية العهد لابنه المعتضد وكان مثل أبيه بطلا مغوارا، فولى الخلافة بعد عمه المعتمد (٢٧٩ - ٢٨٩)، فأكمل لها ما أحاطها به أبوه من العزة والمهابة، فلم يرتفع للترك فى عهده صوت، وكان اسمه-كما مرّ بنا-أبا العباس أحمد فتلقب بالمعتضد بالله، وفيه يقول ابن تغرى بردى: «كان المعتضد شجاعا مهيبا أسمر نحيفا معتدل الخلق ظاهر الجبروت وافر العقل شديد الوطأة من أفراد رجالات بنى العباس وشجعانهم، كان يتقدم إلى الأسد وحده»، ويقول: «هو آخر خليفة عقد ناموس الخلافة ثم أخذ أمر الخلفاء بعده فى إدبار» (٢). وخلفه ابنه المكتفى (٢٨٩ - ٢٩٥ هـ‍) وكان قصير النظر فاتخذ ولى عهده أخاه المقتدر وهو لا يزال صبيّا، فولى بعده الخلافة (٢٩٥ - ٣٢٠ هـ‍)، وسنه ثلاث عشرة، فكأن كل ما أحكمه جده الموفق وأبوه المعتضد قوّضه فى لحظات، فبمجرد أن تسلم مقاليد الحكم وهو غلام عاد للترك سلطانهم وطغيانهم وعاد معهما الخلع وسفك الدماء، وزادوا سمل الأعين.

وإذا كان المكتفى أخطأ فى أواخر العصر بتولّى أخيه المقتدر للعهد وهو صبى فإن المتوكل اقترف بدوره خطأ عظيما فى أوائل العصر، إذ عقد ولاية العهد لثلاثة من أبنائه (٣)، وكان حريّا به أن يتعظ بجده الرشيد وتوليته العهد للأمين والمأمون والقاسم، مما جرّ بلاء كبيرا ذهب ضحيته الأمين وأحرقت بغداد على نحو ما مرّ بنا فى كتاب العصر العباسى الأول. فكان حريّا بالمتوكل ألا يعرّض أبناءه


(١) الديارات الشابشىّ (الطبعة الثانية-مطبعة. المعارف ببغداد) ص ١٠١.
(٢) النجوم الزاهرة ٣/ ١٢٧ - ١٢٨.
(٣) طبرى ٩/ ١٧٥ ومروج الذهب ٤/ ٥ والنجوم الزاهرة ٢/ ٢٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>