للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أستخرج أخبار العرب وأنسابهم وأنساب آل نصر بن ربيعة «المناذرة» ومبالغ أعمار من ولى منهم لآل كسرى وتاريخ نسبهم من كتبهم بالحيرة (١)». ويعظم فى سلك هؤلاء المؤرخين الواقدى والمدائنى.

وخلف بعد من قدّمنا تلاميذهم من رواة القرن الثالث، وعلى رأسهم أبو عمرو الشيبانى المتوفى سنة ٢١٣ وابن الأعرابى المتوفى سنة ٢٣١ هـ‍ الكوفيان وكان وراءهما كثير من الرواة فى بلدتهم مثل محمد بن حبيب وابن السكيت المتوفى حوالى سنة ٢٤٤ وثعلب المتوفى سنة ٢٩١. وانتهت الرواية فى البصرة إلى أبى سعيد الحسن بن الحسين السكرى المتوفى سنة ٢٧٥ وإليه يرجع الفضل فى جمع كثير من الدواوين الجاهلية، وهو يجمع بين الروايتين البصرية والكوفية.

ويتضح من كل ما أسلفنا أن رواية الشعر الجاهلى أحيطت بكثير من التحقيق والتمحيص، وأنه إن كان هناك رواة متهمون، فقد كان لهم العلماء الأثبات بالمرصاد أمثال المفضل الكوفى والأصمعى البصرى، وما مثل الشعر الجاهلى فى ذلك إلا مثل الحديث النبوى، فقد دخله هو الآخر وضع كثير، ولكن العلماء استطاعوا تمييز صحيحه من زائفه. وقدموا لنا كتب الصحيح الستة المشهورة، وكذلك الشأن فى الشعر فقد دخله فساد كثير، ولكن أصحابه الأثبات استطاعوا-فى مهارة بالغة- أن يميزوا صحيحه من زائفه، غير تاركين منفذا فى ذلك سواء فى سند الرواة أو فى المتن نفسه، بل إن ابن سلام ليقدمهم على علماء الحديث فى هذا الباب، يقول:

«حدثنى يحيى بن سعد القطّان قال: رواة الشعر أعقل من رواة الحديث، لأن رواة الحديث يروون مصنوعا كثيرا، ورواة الشعر ساعة ينشدون المصنوع ينتقدونه ويقولون هذا مصنوع (٢)».

فينبغى أن لا نتخذ من كثرة الاتهامات فى بيئة الرواية اللغوية مزلقا إلى الطعن فى الشعر الجاهلى عامة، إنما نطعن على ما طعن الرواة الثقات فيه حقا، ونضيف إليه ما يهدينا بحثنا الحديث إلى تزييفه. أما بعد ذلك فتبقى عامة ما رواه أثباتهم كالمفضل والأصمعى صحيحة، وكانا يتحريان تحريا شديدا.


(١) تاريخ الطبرى (طبعة ليدن) القسم الأول ص ٧٧٠.
(٢) ذيل الأمالى ص ١٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>