للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سينيته مودعا فيها حزنه وأساه، وعاد إلى سامراء وتركها إلى منبج وأهله. ودفعه الطمع إلى أن يعود إلى المنتصر سريعا وأن يقف بباب وزيره أحمد بن الخصيب متوسلا إليه بكاتبه الحسن بن مخلد حتى يقرّبه منه ويسترضيه له، ويجيبه إلى أمنيته، فيعفو عنه المنتصر، ويستمع إلى قصيدته فيه، وكان قد رفع المحنة التى أنزلها أبوه بالعلويين ودفع الأذى عنهم والتعرض لشبعتهم، فأشار إلى ذلك البحترى منشدا (١):

وآل أبى طالب بعد ما ... أذيع بسربهم فابذعر

ونالت أدانيهم جفوة ... تكاد السماء لها تنفطر

وصلت شوابك أرحامهم ... وقد أوشك الحبل أن ينبتر

ويتوفّى المنتصر بعد ستة أشهر من خلافته ويخلفه المستعين فيستبقى ابن الخصيب فى الوزارة، وسرعان ما يغضب عليه قواد الترك فتستصفى أمواله وينفى إلى جزيرة إقريطش (كريت) وحينئذ نجد البحترى يتنكّر له، ويبالغ فى تنكره إرضاء للمستعين وقواده، فيؤلبهم عليه، ويحثهم-كما مرّ بنا فى الفصل الماضى- على قتله قائلا (٢):

لابن الخصيب الويل كيف انبرى ... بإفكه المردى وإبطاله

وهو جانب فى البحترى لاحظه بعض معاصريه-كما مرّ فى غير هذا الموضع-إذ تحدثوا عن كفره للإحسان وعدم وفائه، حين يقلب الدهر مجنّه لبعض ممدوحيه أو حين يسبق إليهم الموت، فإنه بدلا من أن يثير ذلك فى نفسه ضروبا من الشفقة والرحمة، يسارع إلى الوقوف مع خصومهم الجدد أصحاب الحكم والسلطان ابتغاء ما فى أيديهم من المال والنفع، ويضرب القدماء لذلك مثلا موقفه من الخليفة المستعين إذ كان يمدحه، وينال جوائزه حتى إذا خلعه قواد الترك وتولى المعتز الذى يرتجى نفعه أسرع إليه بقصيدة يمدحه فيها ويهجو المستعين هجاء مقذعا بمثل قوله (٣):


(١) الديوان ٢/ ٨٥٠. ابذعر: تفرق.
(٢) الديوان ٣/ ١٦٣٧.
(٣) الديوان ١/ ٢١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>