للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هيئة ثمر الصنوبر المخروط الصورة، ويفخر الصنوبرى بهذا اللقب لأسرته قائلا (١):

إذا عزينا إلى الصّنوبر لم ... نعز إلى خامل من الخشب

لا بل إلى باسق الفروع علا ... مناسبا فى أرومة الحسب

وهو من أهل أنطاكية، ولكن منشأه ومرباه فى حلب، ولا ندرى كيف تحوّل أبوه به إليها، وقد مضى مثل لداته يحفظ شيئا من القرآن ويكبّ على حفظ الشعر وتعلم العربية، وكانت حلب مثلها مثل المدن الكبرى فى العالم العربى تزخر بعلماء اللغة والحديث والفقه وكان بها بعض الأطباء، وكانت الكتب على رفوف المكتبات تحت أعين الصبية والشبان. وفى ديوانه إشارات مختلفة إلى بعض العلماء فى اللغة وإلى بعض القضاة وبعض الأسر المهتمة برواية الحديث النبوى وإلى بعض المتطببين، ونراه يذكر أرسططاليس وبقراط فى بعض أشعاره (٢). وقد يدل ذلك من بعض الوجوه على أنه عكف منذ نعومة أظفاره على الدرس والتحصيل، وأنه قضى فى ذلك شطرا من حياته حتى تخرج شاعرا مثقفا، على الأقل ملمّا بالثقافات لعصره، إن لم يكن إلماما عميقا، فإنه على كل حال معرفة واطلاع.

وقد عاش حياته فى حلب، وكان يلم كثيرا بالموصل والرقتين، وألم بدمشق، ونجده لا يترك واليا على موطنه إلا ويقدم له مدائح وأشعارا كثيرة، وهو يستهلّ ذلك بمديحه لذكا (٣) بن عبد الله الأعور والى حلب منذ سنة ٢٩٥ حتى سنة ٣٠٢ وتحتفظ بقية الديوان المنشورة باسم الصنوبرى بقصيدة فى مديح ابنه المظفر (٤) يصفه فيها بالكرم والشجاعة، ويوصيه بشاعر يسمى الطبرانى أن يسبغ عليه من كرمه وعوده وكان هذا الوالى يتخذ يحيى بن محمد التفرى وزيرا له وعونا وظهيرا، وللصنوبرى فيه قصيدة طنانة يصور فيها بلاغته وبعوثه لحروب القرامطة والروم، ويخلف هذا الوالى على حلب أحمد بن كيغلغ القائد المشهور فى العصر ويظل


(١) الديوان ص ٤٥٦.
(٢) الديوان ص ٢٧٩.
(٣) انظر فى هذا الوالى ومن بعده كتاب زبدة الحلب لابن العديم بتحقيق الدكتور سامى الدهان طبع دمشق الجزء الأول ص ٩٢ وما بعدها.
(٤) الديوان ص ١٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>