دهلى باسم شعر بكر بن عبد العزيز وهو يتغنى فى أشعاره بفتوته وفروسيته، وله ميمية طريفة نظمها حين سمع بأن المعتضد أمر بدرا غلامه أن يتعقبه، وفيها يتوعده ويتهدده بمثل قوله:
ألقى الأحبّة بالعراق عصيّهم ... وبقيت نصب حوادث الأيام
وتشعّب العرب الذين تصدّعوا ... فذببت عن أحسابهم بحسامى
يا بدر إنك لو شهدت مواقفى ... والموت يلحظ والصّفاح دوامى
لذممت رأيك فى إضاعة حرمتى ... ولضاق ذرعك فى اطّراح ذمامى
حرّكتنى بعد السكون وإنما ... حرّكت من حصنى جبال تهام
وواضح من حديثه فى مطالع هذه الأبيات أنه يأسى للعرب فى عصره، فقد تشعّبوا وتفرّقوا شيعا وطرائق شتى، فعضّهم الدهر بنايه وأصبحت حياضهم مباحة يردها الأعاجم وغير الأعاجم، وها هو وحده يقف للدفاع عن عرينهم، ولا معين له غير عزيمته الماضية وسيوفه القاطعة. وإنه ليتهدد الدهر أن ينزل به أشد النكال كما يتهدّد من استباحوا حمى العرب والعروبة بالذل والهوان حتى ليصبحون موطئا للأقدام، ويتحول إلى بدر المعتضدى واصفا له مواقفه البطولية حين تسلّ السيوف وتسدّد الرماح ويلتقم الموت الأبطال، حتى يستشعر الندم على تضييعه لذمامه وتحريكه للحرب المبيرة بعد سكونها. ويبدو أن بدرا رأى أن يكل أمره إلى غيره، فكلّف عيسى النّوشرىّ بمهاجمته، وصدع لتكليفه، ولكنه لم ينجح سريعا فى مهمته، واضطر فى بعض المواقف أن ينسحب بجيشه، فقال بكر يذكر فراره من بين يديه، ويتهدد بدرا صاحبه، من قصيدة طويلة:
ليس كالسيف مؤنس حين يعرو ... حادث معضل ويفدح أمر
أوقدوا الحرب بيننا فاصطلوها ... ثم حاصوا فأين منها المفرّ (١)