وعاشوا حياة مشتركة اكتسبوا خلالها هذا التشابه فى لغاتهم.
ودفعهم جدب الجزيرة وخصب ما حولها من العراق والشام واليمن إلى الهجرة فى موجات يتلو بعضها بعضا فى فترات متباعدة وكأنما كانت الجزيرة تشبه خزانا كبيرا يفيض على ما حوله فى الحين بعد الحين. وأول موجة فاضت من هذا الخزان موجة الأكديين (البابليين والأشوريين) خرجت من الجزيرة إلى العراق فى أواخر الألف الرابع ق. م وأوائل الثالث فوجدت هناك السومريين وقد عاشوا مدة تحت حكمهم، تأثروا فيها بلغتهم ودينهم وعاداتهم وكل ما سبقوهم إليه فى الحضارة والعمران. ولا نمضى طويلا فى النصف الثانى من الألف الثالث ق. م حتى نجدهم يقيمون مملكة لهم يتخذون حاضرتها مدينة أكد كان أهم ملوكها سرجون الأول (فى حدود ٢٣٥٠ ق. م) الذى مد فتوحه حتى وسعت دولته العراق والجزيرة والشام، فكانت تلك أول دولة سامية عرفت فى الشرق الأوسط. ولم تلبث أن انهارت، فقامت على أنقاضها دويلات مستقلة، وتقدمت دولة بابل فى أوائل الألف الثانى ق. م فأعادت الأمور إلى نصابها، ومن أشهر ملوكها حمورابى الذى تولى الملك فى القرن الثامن عشر ق. م وكان سياسيّا ومشرعا عظيما، واشتهر بين المؤرخين بمسلته التى سجل عليها فى ثلاثمائة سطر شريعته، وهى تصور تصويرا دقيقا القانون البابلى القديم. وامتازت هذه الدولة بشخصية سامية حية، فقد ازدهر القانون فى عهدها وازدهر الأدب بفرعيه من الشعر والقصص. على أننا لا نمضى طويلا حتى تفد أمم غير سامية من الشرق-هم الكشيون-فتخرّب بابل؛ ولا يلبث الحيثيّون وهم من أمم آسيا الصغرى أن يقضوا عليها فى أوائل القرن السادس عشر ق. م.
وبينما كانت بابل تعانى من الكشيين والحيثيين كان إخوانهم الذين هاجروا معهم من الجزيرة العربية ويمموا نحو الشمال فيما بين النهرين وهم الأشوريون ينهضون، ومعنى ذلك أنهم من نفس الموجة الأكدية. وتاريخهم يتضح منذ القرن الرابع عشر ق. م وقد اتخذوا نينوى فى بعض عصورهم حاضرة لهم، وكانت دولتهم حربية عسكرية، واستعمروا الشام وآسيا الصغرى واستولوا على بابل وحاربوا مصر، ولغتهم الأشورية تخالف البابلية فى بعض خصائصها، وقد ازدهرت فى عهدهم علوم الطب والفلك والرياضيات كما ازدهرت فنون الأدب. ولا نصل إلى القرن السابع ق. م