اهديت نفسى فهى ملك لك، لا حظّ فيها لغيرك، وإن رميت بطرفى إلى كرائم مالى وجدتها منك. . . وفزعت إلى مودتى فوجدتها خالصة لك قديمة غير مستحدثة فرأيت إن أنا جعلتها هديتى لم أجدّد لهذا اليوم الجديد برّا ولا لطفا (هدية) ولم أقس منزلة من شكرى بمنزلة من نعمتك إلا كان الشكر مقصرا عن الحق، والنعمة زائدة على ما تبلغه الطاقه، فجعلت الاعتراف بالتقصير عن حقك هدية إليك، والإقرار بما يجب لك برّا أتوصّل به».
والرسالة تحمل فى جوهرها معانى الرسالة السابقة، وفيها نفس التلطف، وإن كان قد ازداد رقة فى الدعاء وفى التعبير عن الاعتذار بالتقصير، فليس هناك ما يستطيع تقديمه حتى نفسه ومودته قدّمهما من قبل، ولم يبق فى طاقته سوى الحمد والثناء والشكر الذى لا يماثله شكر، وتتوافر التقطيعات فى الرسالة ويظهر السجع أحيانا فى خفة وبدون أى تكلف لجهد أو عناء. ويكتب لصديق عزل عن عمله، مسليّا له (١):
«حفظك الله بحفظه، وأسبغ عليك كرامته، وأدام إليك إحسانه، إن سرورى بصرفك أكثر من سرور أهل عملك بما خصّوا به من ولايتك. وقد كنت-أعزّك الله-فيما يربأ بك عنه بما أنت عليه فى قدرك واستئهالك، ولكنا رجونا أن يكون سببا لك إلى ما تستحق، فطبنا نفسا بالذى رجونا. فالحمد لله الذى سلّمك منه، ونسأله تمام نعمه عليك وعلينا فيك، بتبليغك أملك وآمالنا فيك وشفع (قرن) ما كان من ولايتك بأعظم الدرجات، وأشرف المراتب، ثم خصّك الله بجميل الصّنع، وبلّغك غاية المؤملين. إن من سعادة الوالى-حفظك الله-وأعظم ما يخصّ به فى عمله وولايته السلامة من بوائق (دواهى) الإثم، ونوائب الدنيا وشرها، والعاقبة مما يخاف منها، وقد خصّك الله منها-بمنّه وطوله (إنعامه) ما نرجو أن يكون سببا لك إلى نيل ما تستحق من المراتب، والله نسأل إيزاعك (إلهامك) شكر ما منّ به عليك، وتبليغك غاية أملك فى جميع أمورك، برحمته وفضله».
والرسالة طريفة غاية الطرافة إذا عكس سعيد العزاء عن العمل، وجعله تهنئة