بديعة فى وصف الكلاب والبزاة والشاهين والطير وأيضا فى وصف الأسد وكانوا يفتخرون طويلا بصيده. ويكثر فى العصر شعراء النزعات الشعبية، وخاصة شعراء البؤس المكدين وغيرهم ممن صوّروا ضيق الحياة وما يجرى فيها من ضنك شديد، وصوّر كثيرون التحامق فى صور هزلية. ولا يبارى جحظة البرمكى-الضارب على الطّنبور-فى تصوير تعاسة الطبقة العامة، وكثيرا ما صبّ سياطه على الحكام الفاسدين.
ويمثل الخبز أرزىّ هذه الطبقة فقد كان أميّا لا يقرأ ولا يكتب، ولغته حلوة خفيفة، وكان مواطنوه فى البصرة يشغفون بأشعاره شغفا شديدا.
وازدهر فى العصر النثر ازدهارا عظيما، وقد ظلت حركة الترجمة ناشطة، وشاع الاستواء والتناسق فيما ترجم من آثار، وظهر الكندى أول فيلسوف للعرب بالمعنى الدقيق لكلمة فلسفة، وكان شاعرا وناثرا ممتازا إذ كان يتمثّل العربية ودقائقها وخصائصها تمثلا بارعا. وأخذت بيئات مختلفة تتجادل فى معايير البلاغة العربية، فكانت هناك بيئة محافظة مثّلها اللغويون، وبيئة تفرط فى التجديد مثّلها المترجمون، وبيئة معتدلة مثّلها المتكلمون، وهى التى كتب لها السّداد والنجاح ويمثلها الجاحظ وما وضع للبلاغة والبيان العربى من مقاييس فنية. وأبلى اللغويون بلاء حسنا فى تثقيف الناشئة والأدباء باللغة والشعر ويتأثر بهم ابن قتيبة فى كتابه «أدب الكاتب» الذى وضعه نبراسا للكتّاب يهتدون به. ويصنّف إبراهيم بن المدبر رسالة بديعة فى موازين البلاغة وأدوات الكتابة. وتحاول بيئة المترجمين والمتفلسفة أن تضع تشريعا لمقاييس البلاغة العربية فى النثر على ضوء المقاييس اليونانية، ويكتب فى ذلك ابن وهب كتابه:«البرهان فى وجوه البيان» ولا يقف عند الاحتكام إلى كتاب الخطابة لأرسطو، بل يحتكم أيضا إلى كتابيه فى المنطق والجدل. غير أن الأدباء فى عصره وبعد عصره ازورّوا عن كتابه ومنهجه، وساد بينهم منهج المدرسة الكلامية وذوقها الأدبى العام الذى مثّله الجاحظ فى كتاباته خير تمثيل. وضعفت الخطابة فى العصر، ولكن المواعظ لم تضعف، بل ازدادت اضطراما على أيدى المتصوفة، وأخذت تنتشر لهم حكايات وأقاصيص كثيرة تصور جهادهم فى قمع شهوات النفس ومطالبها من لذات الحياة، وتداولها الناس بحيث أصبحت ضربا من ضروب الأدب الشعبى حينئذ، كما تداولوا عنهم حكايات كثيرة عن كراماتهم وأخبارهم. وليس ذلك فحسب، فإن