للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقصرت يومهم برنّة شارف ... وسماع مدجنة وجدوى جازر (١)

وهذه الموضوعات التى قدمناها جميعا كانت تتداخل فى القصيدة الطويلة وكان يتداخل معها ضرب من الحكم والمعانى التهذيبية، فالشاعر ما يزال يدلى فى تضاعيف قصيدته بتجاربه، وقد يفرد لها مقطوعات، إذا اتجه بها إلى تقديم وصية لبنيه، على نحو ما صنع عمرو بن الأهتم فى وصيته لابنه التى يستهلها بقوله (٢):

وإن المجد أوّله وعور ... ومصدر غبّه كرم وخير (٣)

وممن كثرت الحكمة فى شعرهم زهير والأفوه الأودى وعلقمة بن عبدة، وهى تكثر فى ميمية الأخير وتتوالى فى أبيات متعاقبة من مثل قوله (٤):

الحمد لا يشترى إلا له ثمن ... مما يضنّ به الأقوام معلوم

والجود نافية للمال مهلكة ... والبخل باق لأهليه ومذموم

وكلّ حصن وإن طالت سلامته ... على دعائمه لا بدّ مهدوم

ويلخص لنا رأى الجاهليين فى المرأة وما تطلبه من الرجل، فيقول فى بائيته (٥):

فإن تسألونى بالنساء فإننى ... بصير بأدواء النساء طبيب

إذا شاب رأس المرء أو قلّ ماله ... فليس له من ودّهن نصيب

ويظهر أن الحكمة قديمة عندهم، فنحن نجدها فى معلقة عبيد بن الأبرص، وفيها يقول:

وكلّ ذى غيبة يئوب ... وغائب الموت لا يئوب

ويقول عبدة بن الطبيب (٦):

والمرء ساع لأمر ليس يدركه ... والعيش شحّ وإشفاق وتأميل


(١) الشارف: الناقة، ورنتها: صوتها عند النحر. المدجنة: القينة تغنى يوم الدجن والغيم. وجدوى الجازر: عطاياه من أطايب اللحم.
(٢) المفضليات ص ٤١٠ وانظر القصيدة رقم ١١٦.
(٣) غبه: عاقبته، الخير: الكرم.
(٤) المفضليات ص ٤٠١.
(٥) المفضليات ص ٣٩٢.
(٦) المفضليات ص ١٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>