عرض علم هيئة الأفلاك ومقادير حركات الكواكب، وبيّن علم أحكام النجوم واستوفى ضروبه، وكذلك كتابه «القوى» فى الطب، وكتابه «الإكليل» الذى ألفه فى ملوك حمير وأنسابها وهو فى عشرة أجزاء كبار، وفيه مما يتصل بعلوم الأوائل «جمل من القرانات» فى النجوم وأوقاتها-كما يقول القفطى-ونبذ من علم الطبيعة وأصول أحكام النجوم وآراء الأوائل فى قدم العالم وحدوثه واختلافهم فى أدواره. ثم يقول القفطى: وله زيجه المعروف، وعليه اعتماد أهل اليمن.
ونظن ظنا أن الدعوة الإسماعيلية فى عصر الدولة الصّليحية (٤٣٩ - ٥٣٢ هـ) هيأت من بعض الوجوه للعناية بالفلسفة وعلوم الأوائل، إذ كانت ترتكز على المزج بين العقيدة الفاطمية ونظرية الفيض الأفلاطونية، وكانت تتخذ من رسائل إخوان الصفا دعاية لها، وهى من بعض الوجوه عرض للفلسفة اليونانية وخاصة لنظرية الفيض وما يتصل بها فى الأفلاطونية الحديثة وأيضا عرض لعلوم الأوائل. ونجد أحد دعاة الفاطميين فى اليمن المسمى الداعى الذؤيب وكذلك السلطان الخطاب يؤلف كل منهما رسالة فى النفس، ومعروف أنها من المباحث الفلسفية، ويحلل ناشر ديوان السلطان الخطاب مؤلفاته الفاطمية، وهى تصطبغ بصبغة فلسفية واضحة كالبحث فى الطبائع الأربع والنفس الناطقة والكثائف واللطائف والمعقولات والمحسوسات.
وفى ترجمة ابن سينا ذكر شخص همدانى يشدو الفلسفة وعلوم الأوائل، وقد وجه رسالة إلى علماء بغداد يسألهم فيها الإنصاف بينه وبين ابن سينا ولم نقع على اسم هذا الهمدانى. وفى الجزء الثانى من كتاب إنباه الرواة ترجمة لزيد بن عطية الصّعدى اللغوى، وفيها أنه «كان لغويا شاعرا منجما حاسبا هندسيا، يسلّم إليه المنجمون فى ديار صنعاء وصعدة النجوم والحساب، وله تصانيف فى ذلك، منها زيجان: كبير وصغير، ومنها «أحكام نجومية» و «فصول».
ويبدو أن الدولة الرسولية بعثت فى اليمن اهتماما بالفلسفة وعلوم الأوائل وخاصة فى عهد سلطانها المظفر (٦٤٧ - ٦٩٤ هـ). وولديه السلطانين الأشرف والمؤيد، ولكل منهما فى الطب كتاب وكان الأشرف أكثر براعة فى الطب، يدل على ذلك كتاب أرسله أبوه المظفر إلى الظاهر بيبرس سلطان مصر يطلب منه طبيبا قائلا:«ولا يظن المقام العالى أننا نريد الطب لأنفسنا فإننا نعرف من الطب ما لا يعرفه غيرنا، وقد اشتغلنا به من أيام الشبيبة، وولدنا عمر-يقصد السلطان الأشرف-من العلماء بالطب، وله كتاب جامع فيه ليس لأحد مثله». ومرّ بنا أن للسلطان المؤيد فيه كتابا سماه «العمدة». ويذكر