بصحيح ما ذهب إليه بعض الباحثين من أن هذا التاريخ تعيين للمدة الزمنية بين ابن ماجدو بين كاتب النسخة وأنه كتبها-كما يظن-سنة ٣١٥ للهجرة وكأن هؤلاء الربابنة الثلاثة-فى رأيه- كانوا يعيشون فى النصف الثانى من القرن الثالث الهجرى، وهو ما نستبعده ونظن أنهم عاشوا فى النصف الأول من القرن السادس. ويذكر ابن ماجد أن الدفتر كان يحمل معلومات الربابنة الثلاثة ويقول إنهم لم يكونوا ملاحين بالمعنى الدقيق لكلمة ملاحين وأن معارفهم البحرية لم تتجاوز الخليج العربى، ويذكر طائفة من الملاحين الذين كانوا يعاصرونهم وغيرهم ممن سبقوهم. ويؤكد أن كتابه ليس كتابا نظريا كالكتب السابقة له، فهو كتاب أعلم الناس بالبحر، ويقول إنه علم توارثه عن أبيه وجده، فقد كانا ربّانين كبيرين، ويذكر أنه كان لأبيه أرجوزة بحرية فى ألف بيت تعدّ دليلا ومرشدا هاديا للملاحة فى البحر الأحمر. ومع أنه قلل من أهمية ما كتبه حفيد سهل بن أبان عن جده وصاحبيه من معارف فى الملاحة يسميهم الليوث، ويسمى نفسه رابع الليوث أو رابع الثلاثة. ويذكر فى الكتاب منازل القمر الثمانية والعشرين والنجوم التى تطابق تقاسيم البوصلة الاثنين والثلاثين والطرق البحرية فى المحيط الهندى وخطوط العرض الخاصة بعدد من الموانى فى المحيطين: الهندى والهادى والعلامات الدالة على مشارف السواحل الغربية للهند وجزائر المحيط الهندى والخليج العربى والرياح الموسمية المواتية للرحلات والبحر الأحمر ومراسيه وشطآنه وشعابه المرجانية ورياحه وأغواره. ويقول قرّان إن وصفه لكل ذلك لا يفوقه بل لا يدانيه أى وصف لكاتب آخر فى الإرشادات والبيانات البحرية الهادية للسفن الشراعية. وهذا كله كان يصحب ببعض الخرائط. فكل ربان لابد أن تكون معه خريطة وبوصلة وإسطرلابات وحبال لقياس عمق المياه (واسمها عند ابن ماجد بلد) ومزاول لمعرفة ارتفاع الشمس والنجم القطبى.
ومن سوء طالع هذا العالم العربى الفذ فى علم الملاحة البحرية وهو على وشك أن يختم حياته وقد بلغ سبعين عاما ونيفا أن تعرّف عليه فى «مالندى» بشرقى إفريقيا قاسكودى جاما البرتغالى، وكان قد يئس من الوصول إلى الهند عن طريق البحر، إذ كان يجهل هو وربابنته البرتغاليون الطريق البحرى إليها، وكانت سفنهم كلما خرجت فى المحيط الهندى واتجهت نحو الهند تحطمت ولم ينج منها أحد. ونعجب أن نرى ابن ماجد يتحول له مرشدا يهديه الطريق فى سنة ٩٠٦ للهجرة إلى كلكتا فى الهند. وبذلك يكون-لغفلته-أداة للاستعمار البغيض: البرتغالى أولا، ثم الإنجليزى والفرنسى والهولندى، من شاطئ إفريقيا الشرقى إلى جزر الهند الشرقية وبحر الصين. وسرعان ما شعر بسوء فعله، وصوّر ذلك مرارا