للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفقه والحديث والتفسير والقراءات ظل محتدما فى عمان لزمن بنى مكرم وبنى نبهان، أما فى نزوى عاصمة الخوارج وحين أصبح لهم حكم عمان فى العصور المتأخرة فكانوا يعنون بالحديث وقراءات القرآن وتفسيره، وقد عنوا طويلا بمسند الربيع بن حبيب بن عمر الأزدى الإباضى المتوفى سنة ١٧٠ وهو أقدم كتب المساند المعروفة فى الحديث النبوى، وانصبّت عنايتهم الفقهية والكلامية على التأليف فى عقيدتهم الإباضية. وفرقتهم، كما قدمنا، أكثر فرق الخوارج اعتدالا، وأقربها إلى الجماعة، ونصب إمام المسلمين عندهم واجب، وتجب طاعته ما اتخذ الحق والعدل شعاره، فإن جار ولم يتب وجبت الثورة عليه، ومر بنا حديث عن عقيدتهم فى الفصل الماضى.

وكانت البحرين مثل عمان نشطة فى دراسة علوم الدين الحنيف، وكانت تدخل فى دائرة بغداد ومدن العراق مثل البصرة والكوفة، فكان طلابها وعلماؤها لا يزالون ذاهبين آيبين من العراق وإليه. وكان كثير من علماء العراق يرحل إلى البحرين، ويتخذها مقاما له وموطنا، وظلت هذه الصلة العلمية مستمرة حتى نهاية هذا العصر. وكانت علوم الشريعة مطروحة فى كل مسجد، وظلت حلقاتها قائمة، واشتهر كثير من الأسر بتوارثها للعلوم الشرعية واللغوية مثل آل عبد الجبار وآل عمران وآل عبد القادر وآل مبارك، وبرز من بينهم الشيخ سلمان آل عبد الجبار بأخرة من العصر وله مصنفات مختلفة فى المباحث الكلامية وشروح على تهذيب المنطق للتفتازانى وكتاب إيساغوجى (١) وشاع هناك مذهب مالك قبل دخول المذهب الحنبلى مع الوهابيين، وكانوا يعنون دائما برواية كتب الحديث وخاصة الصحاح الستة. ومنذ دخلت الأحساء فى المملكة السعودية سنة ١٣٣١ عمّت فيها كتب محمد بن عبد الوهاب وأهل السلف، غير أن هذا لا يدخل فى عصرنا إنما يدخل فى العصر الحديث.

ولم تكن نجد طوال هذا العصر غائبة عن الحركة العلمية العامة فى البلاد العربية، فقد كانت كتب الفقه والتفسير تدرس فى قرى نجد، وظل ذلك إلى الأزمنة المتأخرة، إذ نجد من ترجموا للشيخ محمد بن عبد الوهاب يذكرون أنه لزم الشيخ عبد الرحمن بن أحمد فى قريته تريم ست عشرة سنة، وأنه قرأ عليه فيها صحيحى البخارى ومسلم ومسند ابن حنبل وأنه تركه إلى الشيخ حسان التميمى فى قرى القصيم حيث تتلمذ عليه فى علم الفقه والتفسير سبع سنوات. ورحل بعد ذلك إلى المدينة وأخذ عن علمائها، ثم رحل إلى العراق


(١) ساحل الذهب الأسود لمحمد سعيد المسلم ص ٢٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>