وواضح أنه سلس اللغة، فالكلمات خفيفة الوقع على الآذان، وهى شديدة الاستواء والتناسق يلائم بعضها بعضا، ويشعر الإنسان إزاءها بجمال الجرس جمالا بديعا، جمالا يلذ الألسنة والآذان والقلوب، وله من قصيدة فى محمد بن عطيفة مدحه بها سنة ٧٣٩ للهجرة:
إمام له فضل عظيم على الورى ... كريم الأيادى بالسّماحة أوحد
يجود بما تحوى يداه تكرّما ... ويعلم أن المال ليس يخلّد
فتى لم ير الراءون مثل صفاته ... إذا قيل هذا حاتم فهو أجود
أجلّ الورى جاها وقدرا ورفعة ... وأكرم من يرجى عطاه ويقصد
وعلى هذا النحو يشيع الانسجام فى كلماته، إذ يلائم بينها موسيقيا ملاءمات دقيقة، بحيث لا تجد فيها قصورا ولا انحرافا، وإنما تجد صفاء فى الجرس، سواء عمد إلى الأسلوب الرصين الجزل كما فى هذه الأبيات أو عمد إلى الأسلوب الرقيق كما فى الأبيات السالفة.
ومن قوله فى مديح عجلان بن رميثة المتوفى سنة ٧٧٧ للهجرة:
ماذا يقول المدح فيه وما عسى ... إذ كان يخدم جدّه جبريله
أما الملوك فكلّهم من دونه ... كالبدر فى أفق السماء حلوله
سلطان مكة والمشاعر والصّفا ... من لا يخاف من الزمان نزيله
لو حاول النّجم العظيم لناله ... تنبيك عنه رماحه ونصوله
سكنت محبّته القلوب جميعها ... لما تقارن سعده وقبوله
وكان عجلان محبوبا حقا للقريب والبعيد إذ كان دون أمراء مكة الحسنيين من آبائه وأقاربه يحبّ أهل السنة وينصرهم على الشيعة، ويقال إنه كان شافعى المذهب (١).
وقصيدة النّشو فيه بديعة، وقد افتتحها بغزل رائع، إذ يقول:
لولا الغرام ووجده ونحوله ... ما كنت ترحمه وأنت عذوله
إن كنت تنكره فسل عن حاله ... فالحبّ داء لا يفيق عليله
يا من يلوم على الهوى أهل الهوى ... دع لومهم فالصّبر مات جميله
وأنشد صاحب العقد الثمين فى ترجمته للنشو مدائح له جيدة فى الشريف طفيل بن منصور الحسينى أمير المدينة، استهلها بغزل بديع، يتحدث فيه عن الغرام وأنه يجد بمحبوبته وجدا لا يشبهه وجد، إذ نزلت مع صواحبها بالمنحنى لا من الأودية والتلال، ولكن من أضلعه، ومن غزله الرقيق:
(١) النجوم الزاهرة ١١/ ١٣٩.