وكان المعروف عن هؤلاء العرب الجنوبيين قليلا، فهو لا يتجاوز إشارات وردت عنهم فى العهد القديم وفى بعض الآثار المصرية والبابلية والأشورية وفى كتابات المؤرخين والجغرافيين من اليونانيين والرومانيين، ثم ما كتبه العرب عنهم بعد الإسلام، وتختلط به الأساطير. وظل تاريخهم غير واضح إلى أواسط القرن الماضى، فقد جد علماء الغرب فى قراءة نقوشهم المنثورة على الأبراج والهياكل والنّصب والأحجار، وهى مكتوبة بخط يسمى الخط المسند، وهو خط سامى قديم، وقد عرف هؤلاء العلماء اللغة التى كتبت به ولهجاتها، فهى لغة سامية قريبة من الحبشية والعربية الشمالية، انبثقت فيها لهجتان أساسيتان هما المعينية والسبئية.
ومن هذه النقوش استطاع الباحثون أن يعرفوا الحضارة العربية الجنوبية بدياناتها وآلهتها وأنظمتها الحكومية ودولها وملوكها، واستقر بينهم أنه كانت هناك خمس ممالك هى مملكة معين وكانت حاضرتها معين فى الجوف اليمنى ثم مملكة سبأ فى جنوبيها وعاصمتها مأرب، ومملكة قتبان فى الجنوب الغربى لسبأ وعاصمتها تمنع، والمملكة الأوسانية جنوبى قتبان، ثم مملكة حضرموت وحاضرتها شبوة. ويظهر أنه كان للمعينيين دولة قوية منذ القرن العاشر ق. م وقد سيطروا على القتبانيين والحضرميين، أو بعبارة أدق سيطروا على طريق القوافل التجارية لا فى الجنوب فحسب، بل أيضا على طول الطريق إلى الشمال، فقد وجدت نقوش معينية فى شمالى الحجاز يدادان فى منطقة العلا الحالية وفى الحجر أو مدائن صالح، مما يدل على أنهم أنشأوا فى هذه الجهات مراكز لقوافلهم التجارية كى تحميها، وأغلب الظن أنه كان لهم بها حاميات نزلت بها بعض عشائرهم. ومع مرور الزمن غلبت عليهم طوابع العرب الشماليين.
فكانوا بذلك أول من حمل الحضارة الجنوبية إلى إخوانهم فى الشمال.
ولا نصل إلى القرن السابع ق. م. حتى يغلب السبئيون على المعينين ويمدوا سلطانهم بعد ذلك على الاتحاد الجنوبى كله، كما يمدونه على مراكز المعينيين فى الشمال، وقد تحولت إلى أيديهم أزمة القوافل التجارية، واتخذوا مأرب حاضرة لهم، وقصة سدّها وخرابه مشهورة، وكذلك قصة ملكتها بلقيس مع سليمان عليه السّلام.
وحدث حوالى سنة ٢٧٠ ق. م أن أنشأ بطليموس الثانى أسطولا بحريّا فى البحر الأحمر يحمل إلى مصر عروض الهند وإفريقية الشرقية فأحدث ذلك اضطرابا فى