للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سوباشى وقتلوا الوالى يوسف باشا وتولى بكر مقاليد الحكم وحاربته الدولة، فاستعان ضدها بشاه إيران عباس الصفوى، وسرعان ما احتل هذا الشاه بغداد سنة ١٠٣٣ هـ‍/ ١٦٢٣ م وقتل بكرا ونكل بأهل السنة واعتقل الألوف منهم، وحاول شيعة بغداد مخلصين إنقاذ مواطنيهم فشهدوا لكثيرين منهم بأنهم شيعة.

وسارع الشاه إلى احتلال بقية العراق، غير أن البصرة استعصت عليه، إذ دافع عنها حكامها من آل أفراسياب وكانوا قد أتاحوا لها استقلالا ذاتيا عن العثمانيين من ١٠٠٥ هـ‍/ ١٥٩٧ م إلى ١٠٧٨ هـ‍/١٦٦٨ م للهجرة وقد دافعوا عن مدينتهم أمام جيوش عباس الصفوى دفاعا مجيدا فارتدت عنها.

وظلت بغداد وبقية العراق مع الإيرانيين نحو خمسة عشر عاما إلى أن استرجعهما العثمانيون بقيادة السلطان مراد الرابع سنة ١٠٤٨ هـ‍/١٦٣٨ م وفى هذه الأثناء سمح حكام البصرة للبرتغاليين بتأسيس وكالة تجارية لهم فيها سنة ١٠٣١ هـ‍/١٦٢٢ م وبالمثل سمحوا للإنجليز فى سنة ١٠٤٩ هـ‍/١٦٣٩ م بتأسيس وكالة تجارية لهم، وأغلقت سنة ١٠٦٩ هـ‍/١٦٥٨.

وينتهى الدور الأول لحكم العثمانيين العراق سنة ١١١٦ هـ‍/١٧٠٤ م كما مرّ بنا، ويبتدئ دور ثان سمى دور المماليك، وفيه تعرّضت العراق لخطر إيرانى كبير، أدّى إلى أن يتسلّم صولجان الحكم فيها حسن باشا وابنه أحمد باشا ومماليكهما الذين أخذوهما بضرب من التربية يشبه صنيع الدولة فى إستانبول بالإنكشارية، وكان حسن باشا قد تدرّج فى مناصب الدولة إلى أن أصبح وزيرا، وولى بعض الولايات، ثم نقل إلى بغداد فى سنة ١١١٦ فعمل على الاستقلال بها واتخاذ هؤلاء المماليك سندا له. وكانت الدولة حينئذ مشغولة بحروبها فى أوربا مع الروس والبلقان، فتركت لحسن باشا وابنه أحمد ومماليكهما إدارة بغداد والعراق.

وطبيعى أن تصبح المناصب العليا فيهما وقفا على المماليك. وقد آل إليهم حكمها بعد وفاة حسن باشا وابنه، وكان الوالى منهم إذا وثق بأحد المماليك زوجه ابنته واتخذه «كتخدا» أو أميرا للأمراء، حتى إذا توفى خلفه فى الحكم. وإذا عرفنا أنه حكم بغداد حينئذ عشرة من الولاة كان سبعة منهم من هؤلاء المماليك عرفنا أنه جدير بهذا الدور حقا أن يسمى دور المماليك، وآخرهم داود باشا. وكانوا فى سبيل الوصول إلى أريكة الحكم يكثرون من التآمر، مما زاد الأمن فى بغداد والعراق اضطرابا على اضطراب وفسادا على فساد.

ولما ساءت الأمور وتفاقم سوءها رأى الباب العالى فى سنة ١٢٤٦ هـ‍/١٨٣٠ م أنه لابد من ردّ الأمور إلى نصابها فى العراق، فأرسل حملة تأديبية أسرت داود باشا وقضت

<<  <  ج: ص:  >  >>