للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجدوه فى شعره يفخر بمغامراته الغرامية، وكأنهم أرادوا أن لا يخلوه فى القسطنطينية من ضرب من ضروب هذه المغامرات الجريئة، وقد تمادوا فجعلوه يدخل مع القيصر الحمام وقالوا إنه كان ينادمه، وإن ابنته نظرت إليه فعشقته وواصلته.

والحق أن القصص لعب دورا واسعا فى حياة امرئ القيس، بحيث طمست معالمها، سواء قبل مقتل أبيه أو بعده، ومن ثمّ ذهب طه حسين إلى أن حياته بتفاصيلها وبما تزعمه من ذهابه إلى قيصر وموته فى رجوعه من عنده إنما هى تمثيل لحياة عبد الرحمن بن الأشعث الكندى الذى ثار على الحجاج وحاول الاستعانة بملك الترك، وأخفق فى مسعاه (١). وفيما ذهب إليه طه حسين ضرب من المبالغة والخيال البعيد.

وإذا رجعنا إلى المؤرخين البيزنطيين لم نجد عندهم أى إشارة إلى امرئ القيس ابن حجر الكندى وزيارته لبيزنطة وطلبه النصرة منها ضد المنذر بن ماء السماء: وقد ورد عند «بروكوبيوس» اسم شخص يدعى قيسا اقترن اسمه بغزو الحبشة لليمن سنة ٥٢٤ للميلاد، ويقال إن القيصر طلب منه أن يقود الجيوش ضد الفرس، وذكر «نونوسوس» أن جوستنيان كلفه بالسفارة لديه (٢). ومن ثم ظن كوزان دى برسفال أن قيسا المذكور عند هذين المؤرخين هو امرؤ القيس (٣)، وخاصة حين رآه يزور القسطنطينية، وأكبر الظن أن هذا مجرد تشابه فى الأسماء.

على أن بعض المصادر التاريخية اليونانية ذكرت فى صراحة اسم شخص يدعى امرأ القيس كان من العرب التابعين لملوك الفرس، وقد جعل يغير على القبائل فى شمالى الحجاز ويبسط سلطانه عليها وقد استطاع أن يستولى على جزيرة يوتابه - Iotabe جزيرة تيران الحالية فى مدخل خليج العقبة-ويطرد منها عمال المكوس من الروم، وعاد فرأى أن يصانع الروم، مخافة غزوهم له، فأرسل إلى بيزنطة أسقف العرب الذين خضعوا لحكمه سنة ٤٧٣ للميلاد، ليفاوض قيصر فى أن يعينه حاكما على جنوبى الأردن وساحل خليج العقبة، ويمنحه لقب فيلارك. ونجح الأسقف فى


(١) فى الأدب الجاهلى ص ٢١١ وما بعدها.
(٢) جواد على ٣/ ٢٦٥ وما بعدها.
(٣) انظر جواد على فى نفس الصفحة.

<<  <  ج: ص:  >  >>