للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكانت الطبقة الأولى تعيش فى رخاء بل فى ترف، لكثرة ما كان يصبّ فى حجورها من الأموال، عن طريق الضرائب التى كانت تؤخذ من الناس وكانت متعددة، فهناك ضرائب الزكاة على الزروع، وهناك ضرائب الصادرات والواردات التى تجبى على البضائع المنقولة وتسمى المكوس، وهناك ضرائب على الأسواق والحوانيت. وأهم من ذلك الضرائب أو الأموال التى كانت تؤخذ من أصحاب الإقطاعات وقد توسع فيها البويهيون ثم من خلفهم من السلاجقة والمسئولين على البلاد، إذ منحوها لكبار القواد، حتى قد يمنحونهم قرى برمّتها. وهذه الإقطاعات العسكرية هى التى كانت شائعة، وإحدى اثنتين إما أن تكون إقطاع تمليك يورث وعلى أصحابه دفع العشر للدولة، وإما إقطاع يستغلّ طالما كان صاحبه حيا، وكأنه كان منحة تعطى للقواد بدلا من رواتبهم. وكان كبار الموظفين والأثرياء من التجار وغيرهم يمتلكون الضياع ويدفعون عنها العشر ويلزمون بإصلاح القنوات التى تمرّ بأرضهم. وطبيعى أن كانت هناك ضياع سلطانية للخليفة وللأمير البويهى وللحاكم لبغداد. وكانت هناك أراض موقوفة لأغراض دينية كالإنفاق على المساجد أو على الجهاد أو على الفقراء أو على الحرمين. وكان القاضى هو الذى يشرف على إدارة الأراضى الموقوفة. وحدث أن صادر عضد الدولة أراضى السواد الموقوفة (١)، غير أن من بعده أعادوها إلى الوقف. وكان الوزراء كثيرا ما تصادر أموالهم حتى بعد وفاتهم كما حدث للمهلبى (٢) وزير معز الدولة البويهى. وكانوا يصادرون أحيانا تركة بعض الإقطاعيين ذوى الثراء. ويروى أنه فى سنة ٣٥١ توفّى رجل اسمه دعلج تاركا ثلاثمائة ألف مثقال من الذهب فاستولى عليها معز الدولة، ولم يمسّ أى مسّ ما خلّفه من أوقاف.

على كل حال كانت موارد الدولة كثيرة، ومن أجل ذلك تعددت الدواوين التى يخزن فيها المال أو يجلب إليها مثل ديوان الإقطاع، وديوان الخراج، وديوان الأوقاف، وديوان الجوالى أو الجزية التى كانت مفروضة على أهل الذمة، وديوان الخلافة الذى كان ينفق على القصر ومماليكه وحجّابه وخدمه وحرسه وكانوا يعدّون بالمئات، وديوان التركات وكانت تؤخذ عليها ضريبة، ومن ليس له وارث كانت الدولة تستولى على تركته. ثم ديوان الزمام وهو الذى يشرف على مالية الدولة ونفقاتها وكل ما يتصل بشئونها المالية من رواتب ومن إعداد للجيوش. وكان الخلفاء العباسيون ينثرون الأموال نثرا على حواشيهم وفى أعراسهم، كما حدث فى زواج الخليفة الطائع لابنة بختيار، وكان صداقها مائة (٣) ألف


(١) أبو شجاع ص ٧١.
(٢) مسكويه ٦/ ٢٥٨.
(٣) ابن خلكان (طبع دار صادر ببيروت) ١/ ٢٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>