ملكه بين أولاده، فجعل-كما مرّ بنا فى قسم العراق-لعضد الدولة أقاليم فارس وكرمان وأرّجان ولأخيه مؤيد الدولة الرىّ وأصفهان ولأخيهما فخر الدولة همذان والدّينور. وجعل لعضد الدولة الرياسة على أخويه، وصدعا لأمره، فكانا لا يجلسان فى حضرته ويقبّلان الأرض بين يديه على عادة الديالمة، ويخدمانه بالريحان. ولم تلبث الأمور أن فسدت بين عضد الدولة وبين ابن عمه بختيار بن معز الدولة صاحب بغداد والعراق، ونشبت بينهما الحرب وسقط فى ميادينها بختيار، فاستولى عضد الدولة على بغداد سنة ٣٦٧. ووضع فى سنة ٣٧١ أخوه فخر الدولة يده فى يد قابوس بن وشمكير صاحب طبرستان ضده، فوجه إليهما أخاه مؤيد الدولة فاستولى على بلادهما.
ومرّ بنا فى قسم العراق أن عضد الدولة المتوفى سنة ٣٧٢ أعظم الحكام البويهيين، فقد اتسعت دولته حتى شملت كرمان وإقليم فارس والأهواز وبغداد والعراق وطبرستان، وأنه أول من خوطب بالملك شاهنشاه (ملك الملوك) فى الإسلام. وبلغ من شعوره بأمجاده واعتداده بنفسه أن فكر يوما فى أن يتقلد خلافة المسلمين، فقد ذكر ابن حزم فى كتابه «نقط العروس فى تواريخ الخلفاء» أنه أمر لذلك الحسن بن على البصرى المعروف باسم الجعل أن يؤلف كتابا فى تقليد الخلافة فى غير قريش أملا منه فى أن يتسمّى بها، وألّف الجعل الكتاب، وانتشر الخبر إلى خراسان، فصاح الناس فى مجالس الفقهاء:
واإسلاماه! وا محمداه! . وبلغ ذلك عضد الدولة، فخشى الثورة عليه، وسمّ الجعل، وقنع الناس بموته وسكن الأمر (١). وكانت فيه قسوة شديدة جعلت قائده المطهر بن عبد الله يقتل نفسه حين هزمه بعض الثوار خوفا ورعبا، وبلغ من قسوته أنه خشى على ملكه من تدلهه بفتاة، فأمر بتغريقها فى غير شفقة ولا رحمة. وكان يضبط أمور دولته ضبطا دقيقا، فطهّر الطرق من اللصوص-كما مرّ بنا فى قسم العراق-ورفع الجباية عن قوافل الحجاج، واحتفر لهم الآبار فى الطريق إلى الحرمين، وبنى كثيرا من المساجد الجامعة فى مملكته وعنى بالعمران وزرع البساتين عناية واسعة.
ويتوفى ويخلفه-كما مر بنا فى قسم العراق-ابنه صمصام الدولة، وتتوالى الأحداث، فيتوفى سنة ٣٧٣ مؤيد الدولة دون عقب، فيستدعى وزيره الصاحب بن عباد أخاه فخر الدولة من نيسابور، ويسلمه أمور الجبل وطبرستان وكل مقاليد دولة مؤيد الدولة وبلاده. ويخرج فى سنة ٣٧٦ على صمصام الدولة أخوه شرف الدولة، ويصبح له الأمر
(١) انظر نشرتنا لنقط العروس فى مجلة كلية الآداب بجامعة القاهرة الجزء الثانى من المجلد الثالث عشر، عدد ديسمبر ١٩٥١ ص ٧٦.