للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعضهم كانت تكال كيلا، وأيضا ما يوضح النصوص التى نقرؤها فى كتب التاريخ عن تركات بعض هؤلاء الأمراء وما أنفقوه أحيانا فى أعراسهم أو أعراس أبنائهم وفى بناء قصورهم، فمن ذلك ما يروى عن فخر الدولة البويهى صاحب همذان والجبل والدّينور وجرجان من أنه خلّف حين مات مليونى دينار وثمانمائة وخمسة وسبعين ألفا ومائتين وأربعة وثمانين، كما خلف من الجواهر واليواقيت واللآلئ ما قيمته ثلاثة ملايين دينار، ومن الفضة ما وزنه ثلاثة ملايين، ومن الثياب ثلاثة آلاف حمل (١). أما أخوه مؤيد الدولة فيروى أنه أنفق فى عرس زواجه من ابنة عمه معز الدولة السيدة زبيدة سبعمائة ألف دينار (٢). أموال كانت تسيل إلى خزائنه من إمارته الإيرانية فى الرّىّ وأصفهان لا يعرف لها قيمة، ولذلك يبذّرها ويتلفها حسب هواه. وعظم شأن أخيهما عضد الدولة، فخضعت لسلطانه البلاد الممتدة من بحر قزوين إلى جنوبى إيران وحتى العراق وعمان مما جعله يتلقب بشاهنشاه (ملك الملوك) لأول مرة فى الإسلام، وكان دخله-فيما يروى-ثلثمائة وخمسة وعشرين مليونا من الدراهم، وقيل بل كان اثنين وثلاثين مليونا من الدنانير ومائة ألف درهم (٣). وكان عضد الدولة بدوره ينفق الملايين على بذخه، وخير ما يصور ذلك قصره الذى بناه بشيراز، فقد رآه المقدسى بعد موته بفترة قليلة، وبهت حين رآه، وفى ذلك يقول: «بنى عضد الدولة بشيراز دارا لم أر فى شرق ولا غرب مثلها، ما دخلها عامى إلا افتتن بها، ولا عارف إلا استدل بها على نعمة الجنة وطيبها. شقّ فيها الأنهار ونصب عليها القباب، وأحاطها بالبساتين والأشجار، وحفر فيها الحياض، وجمع فيها المرافق والعدد. وسمعت رئيس الفراشين يقول: فيها ثلثمائة وستون حجرة، كان مجلسه كل يوم فى واحدة إلى الحول. . وطفت فيها ورأيت الأنهار تطّرد فى البيوت والأروقة. وأظنه بناها على ما سمع من أخبار الجنة، وبان بونا بعيدا وضلّ ضلالا مبينا» (٤).

وهذا القصر صورة من صور الترف المفرط، فالأمير لا يريد أن يجلس ببيته فى حجرة مهيّأة لجلوسه كل يوم، بل يريد أن تتغير، بحيث لا يعود إليها إلا فى عام تال، وكأن الحجر فى القصر أصبحت كأزيائه، فهو يبدّلها كل يوم، وطبعا لا يهمه الشعب الكادح وراء هذا القصر ولا تهمه مصالحه، وإن كان عضد الدولة قد اشتهر بضبطه الأمن والنظام فى ربوع إمارته الواسعة، كما اشتهر بعنايته بالثقافة والعلم والعلماء، ولكن لا شك أنه كان


(١) النجوم الزاهرة ٤/ ١٩٧ والمنتظم ٧/ ١٩٨.
(٢) المنتظم ٧/ ١٢٢.
(٣) المنتظم ٧/ ١١٦.
(٤) أحسن التقاسيم للمقدسى (طبع ليدن) ص ٤٤٩ وانظر فى قصر بناه فخر الدولة بجرجان اليتيمة ٣/ ٢٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>