للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على ذبيان وفيه قتل حذيفة وحمل ابنا بدر، ورثاهما قيس خصمهما رثاء حارّا، يقول فى بعضه (١):

شفيت النفس من حمل بن بدر ... وسيفى من حذيفة قد شفانى

شفيت بقتلهم لغليل صدرى ... ولكنى قطعت بهم بنانى

وثأرت ذبيان لنفسها فى معركة الجراجر. أو ذات الجراجر. ثم تجمعت ذبيان وأحلافها من تميم وأسد كما تجمعت عبس وعامر، واشتبكت الفئتان فى يوم شعب جبلة، وفيه دارت الدوائر على ذبيان وأحلافها، إذ أثخنت فيهم عبس وعامر القتل فقتل لقيط بن زرارة التميمى وأسر أخوه حاجب، ولم تلبث ذبيان أن أوقعت بعبس وعامر فى يوم شعواء وقعة منكرة. ورأت عبس أن تقف هذه الحروب التى أتت على الأبطال والرجال، فأرسلت وفدا إلى ذبيان يطلب الصلح، ولقى الوفد سيدى بنى مرة:

الحارث بن عوف وهرم بن سنان، فحملا قومهما على الصلح، وتحمّلا ديات القتلى، ويقال إنها بلغت ثلاثة آلاف بعير. وبذلك وضعت هذه الحروب أوزارها، ويظن أنه لم يكتب للنابغة أن يرى انفضاضها، فقد توفّى قبل ذلك بقليل.

وبينما كانت ذبيان تدير رحى هذه الحروب كانت تدير رحى حروب أخرى مع الغساسنة، وكان يؤازرها أحلافها من بنى أسد، ولعل فى ذلك ما يدل على أن القبيلتين جميعا كانتا تدينان بالولاء للمناذرة خصوم الغساسنة، فهم يسرعون سيوفهم ويشهرونها فى وجوه خصومهم، وكانوا آونة ينتصرون عليهم وآونة ينهزمون وتمتلئ أيدى الغساسنة بأسراهم، مما اضطر النابغة على نحو ما سنرى بعد قليل أن ينزل بالغساسنة ويستعطفهم حتى يردوا إلى هؤلاء الأسرى حريتهم.

وتدل دلائل مختلفة على أن عشائر ذبيان لم تكن دائما فى وفاق ووئام، فهى تتجمع لحرب عبس والغساسنة، ثم تعود فتتناحر داخليّا، على نحو ما تصور ذلك أشعار بشامة بن الغدير والحصين بن الحمام المرى وزبّان بن سيّار الفزارى والنابغة، إذ يشيرون إلى بعض المنازعات بين تلك العشائر وقد يشيرون إلى معارك وقعت بين عشائرها فمن ذلك قول الحصين بن الحمام عقب معركة بين عشيرته بنى سهم وبين بنى سعد، وفيها انتصر الأولون (٢):


(١) عيون الأخبار ٣/ ٨٨ والمرزوقى على الحماسة ١/ ٢٠٣ وسمط اللآلى للبكرى ٣٠٥.
(٢) المفضليات (طبع دار المعارف) ص ٦٥، والهام: الرؤس.

<<  <  ج: ص:  >  >>