للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بغدادى ينتصر تارة للبصريين وتارة للكوفيين وتارة لمن تلاهم من البغداديين وينفذ إلى بعض الآراء الجديدة، فهو ينتخب آراءه من المدارس السابقة عليه، وينفرد بآراء جديدة (١). وتلك هى أصول المذهب البغدادى فى النحو الذى استحدثه ابن كيسان والزجاجى وثبّته بعدهما أبو على الفارسى وتلميذه ابن جنى. ويؤلف المطّرزى كتابا فى النحو يسميه المصباح ويشرحه كثيرون. وإمام النحاة بعد ذلك فى إيران الرضى (٢) الإستراباذى نجم الدين محمد بن الحسن المتوفى حوالى سنة ٦٨٦ ومولده ومرباه فى إستراباذ من أعمال طبرستان، وقد عنى بعملين لابن الحاجب المصرى، هما الكافية فى النحو والشافية فى الصرف، فشرحهما شرحا واسعا ساق فيه آراء النحاة منذ سيبويه حتى عصره، وفى ذلك ما يدل من بعض الوجوه على عمق الثقافة النحوية فى إيران حتى أواخر القرن السابع الهجرى وهو فى شرحه للكتابين بغدادى المذهب، فهو ينتخب من المدارس النحوية السابقة آراءه مفصّلا القول فى اختلاف النحاة، ومن حين إلى آخر ينفرد بآراء مبتكرة.

وازدهرت مباحث البلاغة بجانب مباحث النحو واللغة، بل لعل هذه المباحث لم تنشط فيها بيئة كما نشطت إيران، وأول من نقف عنده فيها أبو أحمد العسكرى الذى عرضنا له آنفا، فقد ألف فيها كتابا فى صناعة الشعر وهو يعرض فيه لصور البديع بالمعنى العام بحيث يشمل فنونه وفنون البيان، والرسالة مفقودة غير أن ابن أخته أبا هلال العسكرى احتفظ منها بكثير من بحوثها فى كتابه الصناعتين، وبالمثل نقل عنها كثيرا الباقلانى فى كتابه إعجاز (٣) القرآن. وكتاب الصناعتين لأبى هلال مطبوع مرارا، وهو يريد بالصناعتين صناعتى الكتابة والشعر، وقد جعل الكتاب فى عشرة (٤) أبواب: باب لموضوع البلاغة وحدودها، وباب ثان لتمييز جيد الكلام من رديئه، وباب ثالث لمعرفة صنعة الكلام، وباب رابع لحسن النظم، وباب خامس لشرح الإيجاز والإطناب، وباب سادس للسرقات الشعرية، وباب سابع للتشبيه، وباب ثامن للسجع والازدواج، وباب تاسع لفنون البديع وهو أطول الأبواب، وباب عاشر لحسن المبادئ والمقاطع وجودة القوافى ودقة الخروج من النسيب إلى المديح.

وخلف أبا هلال القاضى عبد الجبار (٥) قاضى قضاة البويهيين بإيران المتوفى سنة ٤١٥


(١) انظر فى ذلك كتابنا المدارس النحوية ص ٢٨٣
(٢) راجع فى الرضا كتابنا المذكور ص ٢٨١.
(٣) انظر كتابنا البلاغة: تطور وتاريخ (طبع دار المعارف) ص ١١١ وما بعدها وص ٤١٣ وما بعدها.
(٤) راجع فى تحليل هذا الكتاب: البلاغة تطور وتاريخ ص ١٤٠ وما بعدها.
(٥) انظر فى عبد الجبار تاريخ بغداد ١١/ ١١٣ ولسان الميزان ٣/ ٣٨٦ والشذرات ٣/ ٢٠٢ ومرآة الجنان ٣/ ٢٩

<<  <  ج: ص:  >  >>