للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعانى الإضافية التى يصورها علم المعانى عند عبد القاهر أو فى فنون البيان التى يصورها أيضا عبد القاهر. وعنى ببعض ألوان البديع مثل الطباق والمشاكلة واللف والنشر والالتفات وتأكيد المدح بما يشبه الذم ومراعاة النظير والتقسيم والاستطراد والتجريد.

وتتحول البلاغة بعد الزمخشرى وعبد القاهر إلى قواعد جامدة جافة، وأهم من دفعها نحو هذا الاتجاه عاجلا الفخر (١) الرازى المتوفى سنة ٦٠٦ وقد أوغل فى دراسة الفلسفة والعلوم الدينية، وطاف بكثير من البلدان الإيرانية واستقر بمدينة هراة حتى وافاه أجله وهو يمتاز فى تآليفه الكثيرة بالقدرة على تشعيب الأفكار وتقسيمها وتفريعها، يمده فى ذلك عقل متفلسف، إذ كان قد درس الفلسفة دراسة عميقة، وله كتب مختلفة فى التفسير والفقه والطب والكيمياء وعلم الكلام. ويهمنا كتابه فى البلاغة الذى سماه: «كتاب نهاية الإيجاز فى دراية الإعجاز» وهو يعلن فى مقدمته (٢) أنه سينظّم ما كتبه عبد القاهر فى مصنفيه: دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة، وينوه بصنيعه قائلا. «ولما وفقنى الله لمطالعة هذين الكتابين التقطت منهما معاقد فوائدهما ومقاصد فرائدهما وراعيت الترتيب مع التهذيب، والتحرير فى التقرير، وضبطت أوابد الإجمالات فى كل باب بالتقسيمات اليقينية، وجمعت متفرقات الكلم فى الضوابط العقلية، مع الاجتناب من الإطناب الممل والاحتراز عن الاختصار المخل». وكأنه يعرّفنا بلسانه ما صارت إليه المباحث البلاغية الرائعة عند عبد القاهر من تقسيمات وتفريعات وضوابط وقواعد أحالتها هيكلا لا حياة فيه فقد ألقت فيها السموم الفلسفية المنطقية ما أحالها شاحبة باهتة. ولم تنفعه إضافات الزمخشرى فقد بثّ فيها نفس السموم. وبالمثل ما نقله عن مواطنه رشيد الدين الوطواط المتوفى سنة ٥٧٣ إذ نقل عن كتابه الذى وضعه بالفارسية وسماه «حدائق السحر فى دقائق الشعر».

ما ذكره فيه من ألوان البديع، وأسعفه فى هذا النقل أن الوطواط ساق أمثلة النثر والشعر فى كتابه من الأدبين الفارسى والعربى. ولم تسلم هذه الألوان بدورها عند الرازى من الجفاف الشديد.

ويخلفه السكاكى (٣) سراج الدين يوسف بن محمد بن على المولود فى خوارزم سنة


(١) انظر فى الفخر الرازى ابن خلكان ٤/ ٢٤٨ وطبقات السبكى (طبعة عيسى الحلبى) ٨/ ٨١ وطبقات المفسرين ٣٩ والوافى للصفدى ٤/ ٢٤٨ وتاريخ الحكماء للقفطى (طبعة ليبزج) ص ٢١٩ وابن أبى أصيبعة ص ٤٦٢ وشذرات الذهب ٥/ ٢١.
(٢) راجع فى تحليل الكتاب ومواده كتابنا البلاغة: تطور وتاريخ ص ٢٧٥.
(٣) انظر فى السكاكى معجم الأدباء ٢٠/ ٥٩ والجواهر المضية ٢/ ٢٢٥ والفوائد البهية فى تراجم الحنفية للكنوى ص ٣٠١ وتاج التراجم لابن قطلوبغا ص ٨١ وشذرات الذهب ٥/ ١٢٢

<<  <  ج: ص:  >  >>