القدّاح منظم الدعوة الإسماعيلية الشيعية من مركزه فى «سلمية» بالقرب من اللاذقية. وكيف أنه أرسل دعاته إلى العراق وخاصة الكوفة وسوادها وعلى رأسهم الحسين الأهوازى، وقد التقى فى لسواد بنبطى يلقب بقرمط ووجد فيه أمنيته من التحمس الشديد للدعوة. ولما دنا أجله عهد إليه بها فنظمها. وتبعه كثيرون مكونين فرقة القرامطة نسبة إليه، وسرعان ما تحولت الفرقة إلى فرقة مارقة تحلّ أتباعها من الفرائض الدينية وتفرض عليهم نظاما اشتراكيا فى الأموال. وانضم إلى قرمط قليل من الطبقة الكادحة لا فى السواد والريف فقط بل أيضا فى المدن، ومن أهم أتباعه الحسين بن بهرام الجنابى الفارسى الذى نشر الدعوة فى البحرين والأحساء. ويخلفه فى سنة ٢٨٩ زكرويه القرمطى وكان أكثر نشاطا من قرمط، فرأى أن يعنى بنشر الدعوة بين البدو فى جنوبى العراق ولم يتبعه إلا القليل، حينئذ أرسل أولاده يحيى والحسين ومحمدا إلى عشائر قبيلة كلب فى بادية الشام وزعموا لها أنهم من سلالة محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق، وتبعهم كثيرون وخاصة بنى العليص. وكانوا قد جعلوا زعامتهم لأخيهم يحيى فبايعه البدو وكانت له عضد ناقصة فكشفها لهم وقال إن هذه آيته. وآية له ثانية هى ناقته، وزعم أنهم إذا تبعوها فى لقاء عدو كتب لهم النصر المبين. وساق جموعه فى الشام يعيثون ويفسدون. وحاصر بهم دمشق فقتل على أبوابها، فبايع أتباعه أخاه الحسين ونادوا به خليفة له، وأظهر لهم شامة فى وجهه الملثم وقال إنها آيته، ولذلك لقّب صاحب الشامة. وخافه أهل دمشق فصالحوه على خراج يؤدونه إليه، وتغلب على حمص وخطب على منابرها بأنه المهدى المنتظر، وهاجمت جموعه بعلبك وحماة والمعرة تقتل وتنهب. وكانت الشام حينئذ تتبع الدولة الطولونية كما مر بنا، وكانت تعانى ضعفا شديدا، فلم تستطع أن تنقذ الشام من القرامطة وما أحدثوه بها من الفوضى والدمار، مما جعل أهل الشام يستغيثون منهم بالخليفة المكتفى، ولبى استغاثتهم فأرسل إليهم محمد بن سليمان على رأس جيش كثيف، فواقع القرامطة بالقرب من حماة فى المحرم سنة ٢٩١ وأنزل بهم هزيمة ساحقة، وفرّ كثيرون منهم إلى البوادى. أما الحسين بن زكرويه فاتجه إلى الفرات، وأسر هناك وصلب ببغداد مع عشرات من القرامطة. وكان أخوه محمد لا يزال حيا بين بدو الشام، فأخذ فى جمعهم حوله، حتى إذا كانت سنة ٢٩٣ أغاربهم على دمشق وحارب أهلها ودخلها وأعمل فيها القتل والنهب، ثم صار إلى طبريّة فانتصر على أهلها ودخلها وفتك بكثير من رجالها ونسائها وعاد إلى البادية. وفى نفس السنة أرسل زكرويه داعية له يسمى أبا غانم إلى بادية الشام، وتبعه كثيرون ونهب بهم بصرى وأذرعات، وتعقّبته جنود الخلافة ولم يلبث أحد أتباعه أن قتله. وبذلك تنتهى حركة