للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومضى البطل الحمدانى يدير مع الروم معارك باسلة كان ينصبّ عليهم فيها سنويا كإعصار محرق مدمر، وشاعره المتنبى من ورائه يتغنى بانتصاراته وبخوارقه البطولية حين تلم به كارثة، إذ يتخلص منها فى شجاعة نادرة. ومن أعظم بطولاته أنه كان يبنى الحصون فى أثناء نزاله للروم على نحو ما صنع بحصن مرعش فى سنة ٣٤١ وهو يكيل لهم ضربات قاصمة. وقد أنزل بهم صواعق الموت التى لا تبقى ولا تذر فى سنة ٣٤٢ وأسر قسطنطين بن الدمستق وساقه بين يديه فى دخوله حلب مظفرا منصورا. وفى سنة ٣٤٣ جمع الروم له حشودا هائلة من الترك والروس والبلغار والخزر بقيادة الدمستق، وسرعان ما أخذ يدق أعناقهم دقا، وهرب الدمستق على وجهه لا يلوى، وأسر صهره بينما كان البطارقة يقتلون ويؤسرون، وأخذ سيف الدولة عسكرهم بكل ما فيه. وسيف الدولة فى أثناء هذه المعركة ووطيسها المستعر يبنى حصن الحدث شمالى مرعش والمسلمون يكبّرون ويهلّلون. وفى سنة ٣٤٥ أنزل بهم ضربات مدمرة. وكان ما بنى يمد يد المساعدة لأخيه ناصر الدولة فى نزاله للروم شمالى الموصل وكثيرا ما نازلهم هناك وفى شمالى الجزيرة. وما تقبل سنة ٣٤٦ حتى يكفهرّ الجو بين المتنبى وبين البطل العربى. ويرحل عنه وكأنما رحل معه مجده الحربى فقد واقع الروم فى السنوات ٣٤٧، ٣٤٩، ٣٥١ ولم ينزل بهم ما تعوّد من التنكيل الشديد.

ولم يلبث البطل العظيم أن أصابه فى سنة ٣٥٢ فالج فى يده ورجله ورغم هذا الفالج النصفى نهض البطل من فراشه وصدّ بقوة هجوما للروم على حصن من حصون حلب. وفى سنة ٣٥٦ لبّى البطل نداء ربه، وكان قد أوصى بأن يوضع خده فى لحده على لبنة بقدر الكف جمعها مما علق بثيابه ودروعه وسلاحه من غبار غزواته للروم. ونفّذت وصيته. وكان يرعى العلوم والآداب أعظم رعاية. ولمع فى بلاطه أكبر تلامذة أرسطو حتى زمنه: الفارابى المعلم الثانى. ولمع كثير من الشعراء والكتاب يتقدمهم المتنبى، وعقد لهم الثعالبى فى كتابه «يتيمة الدهر» فصولا طويلة فى الجزء الأول منه، وفيه وفى أسرته يقول: «كان بنو حمدان ملوكا وأمراء أوجههم للصباحة، وألسنتهم للفصاحة، وأيديهم للسماحة، وعقولهم للرّجاحة، وسيف الدولة مشهور بسيادتهم، وواسط قلادتهم، وحضرته مقصد الوفود، ومطلع الجود، وقبلة الآمال، ومحط الرّحال، وموسم الأدباء، وحلبة الشعراء». وخلفه ابنه سعد الدولة، وكان ابن عمه أبو فراس الشاعر المشهور عامل أبيه على حمص قد ظلم وأكثر من الظلم وكثرت الشكوى منه، فقاتله وخرّ أبو فراس فى ميدان الحرب صريعا. وفى نفس السنة علم باستعداد الروم لحربه، فأسل إليهم قرغويه الحاجب وأسر وأفلت منهم وانهزم أصحابه وخرّب نقفور كثيرا من بلدان الشام وأعمل النهب

<<  <  ج: ص:  >  >>