وديان قرية بانياس غربى دمشق، وأخذ ينشر دعوته فى منازل تلك القبيلة بجبل حوران وأيضا فى القسم الجبلى من لبنان. وتوفى فقام بالدعوة بعده حمزة بن أحمد الهادى وكثر أتباعهما وعرفوا بالدروز نسبة إلى مؤسس الدعوة. وانتشارها على هذا النحو فى جبل لبنان وحوران بسوريا جعلها تذيع بين قبائل وعشائر عربية، وسقطت إلى الجنوب حتى جبل كرمل بالقرب من صفد فى فلسطين، وصعدت إلى الشمال حتى الجبل الأعلى بين حلب وأنطاكية. وأتاح لها ذلك أن تشيع بين عرب ذوى بأس وأهل شجاعة، ومنذ وطئت أقدام الصليبيين الشام وضعوا أيديهم فى أيدى الدولة البوريّة صاحبة دمشق ثم فى أيدى عماد الدين زنكى ونور الدين وصلاح الدين ضد حملة الصليب. وظلوا يجاهدونهم فى زمن الأيوبين والمماليك متعاونين أوثق تعاون مع سلاطين الدولتين فى طردهم من الشام. وأبلوا بلاء حسنا فى حرب التتار. ولعل ذلك هو الذى دفع الدولتين إلى مسالمتهم والإبقاء عليهم مع إقرارهم على إقطاعاتهم، حتى يظلوا غصّة فى حلوق أعداء الإسلام والعروبة.
ولديهم رسائل مقدسة لمؤسس دعوتهم محمد بن إسماعيل الدرزى وخليفته حمزة بن أحمد وتلميذه بهاء الدين. ويردد حمزة أن للحاكم بأمر الله حقيقة لاهوتية لا تدركها الحواس ولا الأوهام، ويقول إنه ليس له مكان وإن حل فى كل مكان. وحاول هو وأستاذه الدرزى وتلميذه بهاء الدين أن يقنعوا الناس من حولهم بأن الحاكم تجسّد إلهى وأنه يتشكل فى صورة بشرية هى الصورة الإنسية التى عاش بها مع الناس كأنه فرد مثلهم. وليس الحاكم أول صورة بشرية تشكل فيها الله بل هو آخر صورة تجسد فيها، فقد تجسد قبله فى الأنبياء والأئمة مما يفسح عند الدروز لفكرة التناسخ. ويصور القلقشندى عقيدتهم قائلا: «إنهم يقولون بأن الألوهية انتهت إلى الحاكم وتديرت (سكنت) ناسوته كما يقولون برجعته وإنه يغيب ويظهر بهيئته ويقتل أعداءه قتل إبادة لا معاد بعده إذ ينكرون المعاد». فلا معاد عندهم ولا بعث ولا قيامة، إذ القيامة فى رأيهم يوم رجعة الحاكم وظهوره فى صورته اناسوتية، وحينئذ يوقع العذاب والثواب على الناس، أما الثواب فارتفاع بالدرجة فى العلوم الدينية، وأما العذاب فهب بالدرجة إذ يستمر الشخص ينتقل من جسد إلى جسد أو قل تستمر روحه تنتقل فى أجساد تهبط به فى الدين درجة بعد درجة.
وتسقط شريعة الدروز الفروض الدينية وتوجب صيام الأيام التسعة الأولى من شهر ذى