للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والعلم الثانى لم يكن شاميا بل كان مصريّا، ومنذ العصر الأيوبى كان علماء الشام ومصر يتبادلون التدريس والتعليم فى البلدتين، وكثيرا ما درّس وعلّم جلّة العلماء الحلبيين والدمشقيين والمقدسيين فى مدارس القاهرة ومساجدها مثل يحيى بن معطى المتوفى بمصر سنة ٦٢٨ وقد وضعناه بين نحاتها المصريين. وكثيرا ما نزل ببيت المقدس ودمشق وحلب مصريون واستوطنوها وأمضوا حياتهم هناك يعلمون ويدرسون ويفيدون، لا علماء النحو فحسب بل جميع العلماء من كل فرع من فروع العلم. وكان العلم المصرى النحوى الذى نزل الشام ابن الحاجب (١) عثمان بن عمر المتوفى سنة ٦٤٦ وهو مذكور بين النحاة فى القسم المصرى. ويهمنا هنا أن نعرف أنه حين أحسّ نضجه العلمى رحل إلى دمشق وكان مالكيا، فنزل بزاوية المالكية فى جامعها الأموى، وأخذ يدرس لطلابه هناك كتابيه الرائعين فى النحو والتصريف: الكافية والشافية، وأملى شرحين لهما. وتوالت بعده لنفاستهما الشروح عليهما بين عربية وفارسية حتى بلغت على الكافية-كما استقصاها بروكلمان-سبعة وستين شرحا، وعلى الشافية-ستة وعشرين. وظل ابن الحاجب طويلا فى دمشق وطلاب العربية مكبّون عليه حتى دخلت سنة ٦٣٩ وتحالف الملك الصالح إسماعيل مع حملة الصليب ضد ابن أخيه الملك الصالح نجم الدين أيوب وتنازل لهم عن صفد وقلعة شقيف، وجاء ابن الحاجب نبأ الكارثة، وكان يخطب الجمعة فى المسجد الأموى، وكان إسماعيل قد ملك دمشق برهة، وغلا الدم فى عروقه فقطع اسم الملك إسماعيل من الخطبة معلنا بذلك احتجاجه على عمله المزرى، وردّ عليه إسماعيل بإبعاده إلى موطنه، فعاد إلى القاهرة وتركها إلى الإسكندرية وبها توفى سنة ٦٤٣.

والعلم الثالث لم يكن مصريا ولا شاميا، بل كان أندلسيا، وهو ابن (٢) مالك محمد بن عبد الله، ولد ونشأ وعكف على دراسة اللغة والنحو فى بلدته جيّان، حتى إذا شعر باكتمال تكوينه العلمى رحل سنة ٦٣٠ وهو فى الثلاثين من عمره إلى دمشق، وظل مدة فى حلب يأخذ عن ابن يعيش. ثم عاد إلى دمشق واستوطنها متوليا بها مشيخة المدرسة العادلية، ولم يلبث أن طار صيته فى آفاق الشام، فقصده الطلاب من كل فجّ، وكان يحسن إلى أبعد حد نظم الشعر العلمى فنظم فى النحو ألفيته المشهورة، وتوالت بعده شروحها حتى بلغت تسعة وأربعين شرحا، غير ما على بعض شروحها من حواش. وألف فى النحو بجانبها كتابه التسهيل وله عشرة شروح، وله فى


(١) انظر فى ابن الحاجب ابن خلكان ٣/ ٢٤٨ وابن فرحون ص ٣٧٢ وبروكلمان ٥/ ٣٠٨ والمدارس النحوية ص ٣٤٣.
(٢) انظر فى ابن مالك ومصادره كتابنا المدارس النحوية ص ٣٠٩ وبروكلمان ٥/ ٢٧٥ - ٢٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>