للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مدائح، ولديه منه منائح». وكان صلاح الدين وعده أنه متى ملك مصر يعطيه ألف دينار، ووفى له بوعده غير أنه لم يلبث أن وافاه القدر سنة ٥٦٧.

ويبدو أن عرقلة كان فى أوائل حياته يقصد أوساط الناس، ومدح شخصا مرة فأعطاه شعيرا.

فغضب، وأنشد ما مرّ ذكره من قوله:

يقولون: لم أرخصت شعرك فى الورى ... فقلت لهم إذ مات أهل المكارم

أجازى على الشّعر الشّعير وإنّه ... كثير إذا استخلصته من بهائم

واشتهر فى زمنه بأنه هجاء كبير ويقول العماد-كما أسلفنا-إنه كان مستطرف الهجاء، إذ كان يحاول فيه التندير إضحاكا لسامعه وجلبا لسروره، كقوله فى مغن ضارب على العود لم يعجبه صوته ولا ضربه وتلحينه:

علىّ صوته سوط ... علينا لا على الفرس

وجملة ضربه ضرب ... لمدّرع ومتّرس

يقول السامعون له ... رماه الله بالخرس

وخذ يا ربّ مهجته ... إذا غنّى: (خذى نفسى)

فهو لا يجعل صوته يصكّ الأسماع فحسب، بل يجعله يكويها كى السياط للخيل، أما ضربه فكأنه ضرب حقيقى يضرب به دروعا وتروسا لا ألحانا تشجى السامعين وتطربهم، مما يجعلهم يدعون عليه بالخرس بل بالموت حين يغنى، وكان بالصدفة يغنى مقطوعة أولها: «خذى نفسى». ويقول لبعض مهجويه:

لك وجه كأنّه ال‍ ... بدر لكن إذا كسف

وقوام كأنّه ال‍ ... ‍غصن لكن إذا انقصف

وبنان كأنه ال‍ ... بحر لكن إذا نشف

وأب أكذب الأنا ... م ولكن إذا حلف

وهو فى الأبيات الثلاثة الأولى يبدأ بالمدح لكن لا يلبث أن يمحوه بل أن يرده عليه هجاء وإقذاعا شديدا، فهو صاحب وجه كاسف وقوام قصير منقصف وبنان شحيح لا يقطر بأى خير،

<<  <  ج: ص:  >  >>