للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهنأه ابن قسيم بهذا الفتح المبين بقصيدة رائعة. وتوفّى الشاعر سريعا فى نفس السنة ويقول العماد الأصبهانى: إنه مات شابا.

وقد استعرض العماد فى خريدته ديوان شعره واقتطف منه مختارات كثيرة، وهى تدور حول الغزل ووصف الطبيعة والخمر، ويبدو أنه كان يغرق فى اللهو والمجون، وإنه ليدعو بعض صحبه لمشاركته فيما يقترف منها بمثل قوله:

خير ما أصبحت مخلوع العذار ... فانف عنك الهمّ بالكأس المدار

قم بنا ننتهب اللذة فى ... ظلّ أيام الشباب المستعار

إنما العار الذى تحذره ... أن ترانى من لباس العار عارى

وسعيد من تقضّى عمره ... بين كاسات رضاب وعقار (١)

فى اصطباح واغتباق واقترا ... ب واغتراب وانهتاك واستتار

وهو يصرّح-ولا يخفى-بأنه يشرب الخمر المحرمة، غير آبه لما يجرّه عليه ذلك من عار بين أصحابه، إذ يجد فيها هناءته وسعادته، وهو لذلك يعكف عليها صباحا ومساء أو اصطباحا واغتباقا كما يقول، ويعكف عليها قارّا فى بلدته حماة ومغتربا فى دمشق وغير دمشق، وهو يشربها متواريا ومجاهرا بعصيان ربه منتهكا لحرماته. ومن قوله فى خمرية ثانية.

باكرا شمس القنانى ... تدركا كلّ الأمانى

وخذا فى لذّة العي‍ ... ش على رغم الزمان

قهوة ألبسها المز ... ج قميصا من جمان (٢)

كخدود الورد من تح‍ ... ت ثغور الأقحوان

إنما البغية أن أص‍ ... بح مخلوع العنان

وهو يدعو إلى المتاع بالخمر، ويصورها بصور جميلة، إذا مزجت بالماء وكأنما لبست قميصا لؤلؤيّا. ويصورها فى حمرتها والماء آخذ بتلابيبها بثغور من الأقحوان الأبيض تعلوها خدود وردية.

ولا يلبث أن يعلن فى أبيات تالية عصيانه لربه، فكل ما يبغيه أن يظل سادرا فى خلع عنانه-أو كما قال فى المقطوعة السابقة-فى خلع عذاره متهتكا ساجدا فى قبلة الكأس لتسبيح مثانى العود


(١) الرضاب: الريق. العقار: الخمر.
(٢) الجمان: اللؤلؤ

<<  <  ج: ص:  >  >>