ويشبه الشعراء الأنهار الضيقة والجداول بالسيوف لشدة لمعانها. وقد جعل ابن النقيب النهر يصدأ كما تصدأ السيوف، أما هى فتصدأ بأغمادها، وهو يصدأ بظلال الأشجار من حوله، والزهر يفرش فى شطيه ما رقمت أو نقشت فيهما السحائب من ريط وحبر أو ملاءات مخططة وحريرية ذات وشى ربيعى لا يزال زبرجه ونقشه يجلو من حلى الطبيعة وجواهرها أجمل الصور. .
ويذكر مجلسا من مجالس أنسه فى بعض متنزهات دمشق قائلا:
ومجلس حفّت الغصون بنا ... فيه ووجه الرياض مبتهج
كأن أوراقها يرفّ بها ... فوق النّدامى نسيمها الأرج
خضر من الأزر لا تزال بها ... مناكب الراقصات تختلج
وهى صورة بديعة، إذ يجعل أوراق الاغصان-حين يرفّ نسيمها فوق الندامى-كأنها أزر أو شيلان تظلّ مناكب الراقصات المختلجة المتحركة فى أثناء رقصها ودورانها فيها. ويقول فى بدر يلوح ويحتجب من خلال أغصان:
كأنما الأغصان يثنيها الصّبا ... والبدر من خلل يلوح ويحجب
حسناء قد عامت وأرخت شعرها ... فى لجّة والموج فيها يلعب
والصورة أيضا بديعة، فالبدر وهو يظهر ويغيب من خلال الأشجار كحسناء فى لجّة مرخية ذوائب شعرها وموج أضوائها من حولها يلعب فى فضاء الطبيعة الساحرة. وكان مغرى بوصف زهرة القرنفل، يصفها بيضاء وحمراء وبيضاء مشربة بحمرة كقوله:
وزهر قرنفل فى الروض يحكى ... عقيق دم على صفحات ماء
رأى وجنات من أهوى فأغضى ... فبان بوجهه أثر الحياء
فاحمرار القرنفل إنما هو حياء وخفر منه حين رأى وجنات صاحبته، فأغضى عينيه وقارب بين جفونه استحياء. وله وراء شعر الطبيعة واللهو والمجون موشحات مختلفة منها ما عارض به لسان الدين بن الخطيب فى موشحته:«جادك الغيث إذا الغيث همى». وله أيضا شعر دورى تتألف المنظومة منه بيتين بيتين. وبدون ريب كان شاعرا بارعا، وحقا ما يقوله المحبى من أنه كان يتخيل التخيلات البعيدة البديعة فى التشابيه العجيبة».