للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلبى يحب تيّاه ليس يبعشق إلا إياه ... فازمن وقف وحيّاه يرصد على محيّاه

بدر السّما لو يطبع ... من رام وصالو يعطب

صغيّر يحيّر فى أمرو غزال قهر بسمرو ... ليث الهوى ونمرو فاعجب لصغر عمرو

ريم ابن عشر وأربع ... أردى الأسود وأرعب

أذكر نهار تبعتو وروحى كنت بعتو ... وخيّب ما فيه طمعتو فقال وقد سمعتو

ارجع ولالى تتبع ... أخشى عليك لتتعب

كم قدامو وخلفو مشيت مطيع لحلفو ... ورمت لثم كفّو قال دع مناك وكفّو

فإنّ لثم إصبع ... من الثريّا أصعب

وبمجرد أن نسمح هذا الصوت نعرف أن صاحبه زجال مبدع لقدرته على اختيار الألفاظ بحيث يعانق بعضها بعضا منذ الدور الأول «فتيّاه» تجذب إياه و «حيّاه» تجذب محياه، وبالمثل «يطبع» فى القفل تجذب يعطب. وكأننا فى مرقص للألفاظ وبذلك يتسق النغم فى الزجل اتساقا بديعا، وكأنه عطر للآذان تستروحه مع روعة التصاوير وخفتها ورشاقتها، فصاحبته بدر فى السماء لا تصل إليه الأيدى، وهى غزال تقهر بعينيها الكحيلتين أو السمراوين. . مع صغرها الليوث والنمور. وتهلكها وترعبها رعبا. ونصحته أن لا يتبعها، فأمله فيها سراب كاذب. ويحاول لثم كفها أو أنملا من أناملها فتقول له الثريا وأخواتها من نجوم السماء أقرب لك. وهى صنعة زجلية رائعة منتهى الروعة. وقد تلاعب بالجناس المقلوب فى الأفعال تلاعبا يدل على مبلغ مهارته، فيطبع تقابلها يعطب، وأربع تقابلها أرعب، وتتبع تقابلها تتعب وإصبع تقابلها أصعب.

وبذلك كله يتحول الزجل باللغة اليومية العادية التى لا تحتوى فنا إلى لغة زجلية شجية النغم كأنها تغريد عندليب مع ما يحمّل العندليب أنغامه من تلاوين الصور والأخيلة، وبحق يقول صاحب الخزانة عن هذا الزجل: «سارت به الركبان». وأنشد له صاحب الخزانة زجلين آخرين بديعين.

<<  <  ج: ص:  >  >>