أشعارهم التى جمع منها المرزبانى قطعة صالحة فيقول الشيخ: إنما ذلك هذيان لا معتمد عليه، ثم يرخى من عنان دابته حتى يصل إلى أقصى الجنة حيث يلتقى بالحطيئة والخنساء وهى تنظر إلى أخيها صخر فى الجحيم، وينظر مثل الخنساء، فيجد إبليس وبشارا وامرأ القيس وعنترة واثنى عشر شاعرا معهم من شعراء الجاهلية والأخطل التغلبى ويحاورهم جميعا. ويعود فيلتقى بآدم عليه السلام وببعض الحيّات التى ظلمت فى الدنيا، وكوفئت فى الآخرة بدخول الفردوس ونزولها فى روضة الحيات. ويمر بجنة الرّجّاز، ويحاورهم فى أرجازهم حوارا طريفا. وتنتهى رحلة ابن القارح على الصراط وما شاهد من عذاب فى الجحيم ومن نعيم لا يماثله نعيم فى الجنة، ويفضى ابن القارح إلى المتاع بهذا النعيم.
وهذا هو القسم الأول فى الرسالة، وقد كان له تأثير عميق فى الآداب العالمية، إذ كتب دانتى الشاعر الإيطالى المتوفى سنة ١٣٢١ م على غراره الكوميديا الإلهية، وشغل بالبحث فى ذلك كثير من الباحثين الغربيين ولا يزالون مشغولين.
والقسم الثانى من الرسالة خاص بسؤال ابن القارح لأبى العلاء عن الزندقة والزنادقة، وقد استهلها أبو العلاء بالثناء على ابن القارح لوفائه فى زمن يعز فيه الوفاء: وتحدث عن حرفة الأدب وهمومها، ودفع عن المتنبى ما يقال من زندقته أو إلحاده إذ كان متألها كما تشهد بذلك أشعاره، وشك فى عقيدة دعبل. وذكر بعض الشعراء الزنادقة وفى مقدمتهم بشار وصالح بن عبد القدوس والوليد بن يزيد، وتعرض لكثير من النحل المارقة فى زمنه، وفى مقدمتها القرامطة وغلاة الشيعة كعبد الله بن سبأ وعبد الله بن ميمون القداح رأس العقيدة الاسماعيلية والقائلين بالتناسخ كالهنود وبالحلول من الصوفية كالحلاج، وأصلى ابن الراوندىّ الزنديق (١) هو وكتبه: التاج والدامغ والقضيب والفريد والمرجان التى طعن فيها على الدين الحنيف نارا حامية من الذم والتقريع، ومن قوله فى التاج وهو أهم كتب ابن الراوندى الكافرة: لا يصلح أن يكون نعلا، وأفّ وتفّ، وجورب وخفّ وهما واديان بجهنم. ويعود إلى حديث ابن القارح، ويعرض لتوبته وتمثيله جالسا للوعظ فى مسجد بحلب، ويلم بأول سماعه عنه وبشيوخه وببعض علماء حلب وبتلبيات العرب فى الجاهلية وببعض مسائل فرعية.
(١) راجع فى ابن الراوندى وإلحاده والرد عليه كتاب من تاريخ الإلحاد فى الإسلام، لعبد الرحمن بدوى