شيزر حصن آبائه وما وقع له فيها من أحداث، وقد عاش طويلا نحو مائة عام من سنة ٤٨٨ إلى سنة ٥٨٤ وتنقل-كما مر فى ترجمته-بين دمشق والقاهرة والموصل. . ووصف ما شاهده واشترك فيه من المعارك الحربية بين المسلمين وحملة الصليب، وشارك-كما مر بنا-فى أحداث مصر قبيل نهاية الدولة الفاطمية، وروى ما كان فيها من مؤامرات وخصومات بين الوزراء. ووصف وصفا حيا حربه تحت لواء نور الدين وأبيه للصليبيين، كما وصف وصفا حيا معيشة حملة الصليب بديار الشام إذ كانت تتصل بينهم وبين المسلمين-حين تضع الحرب أوزارها-علاقات من حسن الجوار، مما جعله ينزل بينهم فى بعض الأوقات. وقد وصفهم بأنهم «بهائم فيهم فضيلة الشجاعة والقتال لا غير» ويصورهم متأخرين حضاريا عن المسلمين. ويذكر فى صراحة أن المودة انعقدت بينه وبين بعض فرسانهم، ويقول إنه لا توجد عندهم غيرة على نسائهم، ويصورهم متخلفين فى الطب تخلفا شديدا، ويقص هذه النادرة:
«من عجيب طبّهم أن صاحب المنيطرة (فى أعالى الشام) كتب إلى عمى أمير شيزر يطلب منه إنفاذ طبيب يداوى مرضى من أصحابه، فأرسل إليهم طبيبا نصرانيا يقال له ثابت فما غاب عشرة أيام حتى عاد، فقلنا له: ما أسرع ما داويت المرضى! قال: أحضروا عندى فارسا قد طلعت فى رجله دمّلة وامرأة قد لحقها نشاف فعملت للفارس لبيخة ففتحت الدملة وصلحت. وحميت المرأة ورطبت مزاجها. فجاءهم طبيب إفرنجى فقال لهم: هذا ما يعرف شئ (فكيف) يداويهما؟ . وقال للفارس: أيما أحب إليك؟ تعيش برجل واحدة أو تموت برجلين؟ قال: أعيش برجل واحدة، فقال: أحضروا إلى فارسا قويا وفأسا قاطعا، فحضر الناس والفأس وأنا حاضر فحط ساقه على قرمة (قطعة) خشب، وقال للفارس: اضرب رجله بالفأس ضربة واحدة، اقطعها، فضربه وأنا أراه ضربة واحدة فما انقطعت وضربه ضربة ثانية، فسال مخ الساق، ومات من ساعته. وأبصر المرأة، فقال: هذه المرأة فى رأسها شيطان قد عشقها، احلقوا شعرها، فحلقوه. وعادت تأكل من مأكلهم: الثوم والخردل، فزاد بها النشاف، فقال، الشيطان قد دخل فى رأسها، فأخذ الموسى، وشقّ رأسها صليبا، وسلخ وسطه حتى ظهر عظم الرأس فحكّه بالملح، فقلت لهم: أبقى لكم إلىّ حاجة؟ قالوا: لا فجئت وقد تعلمت من طبهم ما لم أعرفه».
وثابت الطبيب إنما قال الجملة الأخيرة سخرية من طبهم. ويتحدث أسامة طويلا عن