للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن يطبق علم مصطلح الحديث وما وضع فيه لروايته من أصول على اللغة وروايتها، ويفيض فى ذلك إفاضة واسعة، ففى ألفاظ اللغة-كالحديث النبوى-متواتر وآحاد ومرسل ومنقطع وضعيف ومنكر ومتروك ومطرد وشاذ. ويتحدث عمن تقبل روايته ومن تردّ، وعن معرفة طرق أخذ اللغة وتحملها وعن المنتحل المصنوع فى اللغة وأشهر من نحل الشعر وأفسده. والكتاب فريد فى بابه ومباحثه. ونمضى بعد السيوطى فى زمن العثمانيين، ويظل لعلماء اللغة فى مصر نشاطهم، ومن خير من يمثلهم شهاب (١) الدين الحفاجى المتوفى سنة ١٠٦٩ ومن مؤلفاته الرائعة كتابه «شفاء الغليل بما فى كلام العرب من الدخيل» وقد صدره بمقدمة تحدث فيها عن التعريب وشروطه، وله شرح على درة الغواص فى أوهام الخواص للحريرى. وتظل مصر مع ما أصابها زمن الاحتلال العثمانى حاملة مشاعل الثقافة العربية فى اللغة وغير اللغة، وينزلها كثيرون من علماء الديار العربية، وممن نزلها-كما مر بنا فى الجزء الخامس من هذه السلسلة-السيد مرتضى الزبيدى اليمنى المتوفى سنة ١٢٠٥ هـ‍/١٧٩٠ م إذ اتخذها دار مقام له سنة ١١٦٧ حتى لبى نداء ربه، وأكرمه المصريون وعلماؤها، وعكف منذ نزوله على شرح القاموس المحيط للفيروزابادى. ومازال عاكفا على عمله حتى أتمه سنة ١١٨١ وهو مطبوع فى عشر مجلدات، وقد سماه باسم «تاج العروس». وهو يتلو لسان العرب فى كبر حجمه، وفى الجبرتى تقاريظ كثيرة للمصريين فيه. وكأنه أتيح لمصر أن تضع أكبر معجمين للعربية: اللسان فى زمن المماليك وتاج العروس فى زمن العثمانيين، كما أتيح لها أن تضع أكبر دائرة معارف فى المباحث اللغوية ونقصد كتاب المزهر للسيوطى.

ومرّ بنا فى صدر هذا الحديث أنه كانت بمصر طبقة من المؤدبين أخذت تتكاثر فى القرنين الثانى والثالث، وكانت تعلم الناشئة اللغة والنحو، ومنذ أواسط القرن الثالث يصبح لمصر نحاتها من أبنائها ونزلائها فى مقدمتهم ولاد التميمى الذى مرّ ذكره فى اللغويين، وكان نحويا كبيرا كما كان لغويا كبيرا، وكان يعاصره أحمد (٢) بن جعفر الدينورى نزيل الفسطاط المتوفى سنة ٢٨٩ وقد درس على المازنى بالبصرة كتاب سيبويه ولما استوطن مصر واستقرّ بها صنف لطلابه كتابا فى النحو سماه المهذب، وعنه حمله المصريون. ويلقانا فى زمنه محمد (٣) بن ولاد آنف الذكر المتوفى سنة ٢٩٨


(١) انظر مصادر ترجمة الخفاجى ص ٤٥٩.
(٢) انظر الدينورى فى معجم الأدباء ٢/ ٢٣٩ وإنباه الرواة ١/ ٣٣ وما به من مراجع.
(٣) راجع محمد بن ولاد فى تاريخ بغداد ٣/ ٣٣٢ ومعجم الأدباء ١٩/ ١٠٥ وإنباه الرواة ٣/ ٢٢٤ وما به من مراجع.

<<  <  ج: ص:  >  >>