للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وغيرها من البكريين فى حروب ضد تميم وغيرها من القبائل. وقد تقع حروب ومناوشات داخلية بين عشائرها، مثلها مثل بقية العشائر فى الجاهلية إذ كانت كثيرا ما تنشب بينها خلافات تؤدى إلى بعض الدماء. ويظهر أنها رغم استقرارها فى اليمامة وسكناها بعض القرى مثل «منفوحة» كانت تنزع إلى حياة. البداوة وما يتصل بها من رعى الإبل والغنم، ولعل ذلك ما جعل الأعشى يهجو إيادا فى بعض شعره بأنها تعتمد على الزراعة يقول (١):

لسنا كمن جعلت إياد دارها ... تكريت تنظر حبّها أن يحصدا

جعل الإله طعامنا فى مالنا ... رزقا تضمّنه لنا لن ينفدا (٢)

مثل الهضاب جزارة لسيوفنا ... فإذا تراع فإنها لن تطردا (٣)

ضمنت لنا أعجازهن قدورنا ... وضروعهنّ لنا الصّريح الأجردا (٤)

وواضح أنه يصرح بأن إيادا تعتمد على الزراعة والحصاد، أما هم فما لهم الإبل التى لا تنفد، وهى إبل ضخمة كالهضاب، يعقرونها لضيوفهم، ولا يلم بها من يروعها أو يغير عليها خوفا من بسالتهم، وهى تملأ قدورهم بلحمها وبيوتهم بألبانها.

وعلى العكس كان أبناء عمومتهم من بنى حنيفة أكثر استقرارا، وقد اتخذوا الحجر قصبة لهم، وكان سيدهم فى أواخر هذا العصر الجاهلى هوذة بن على، وكان يحمى القوافل الفارسية فى طريقها إلى اليمن، ولعله من أجل ذلك وقف بعيدا بقبيلته عن يوم ذى قار، فلم تشترك فيها. وأغلب الظن أن هذه القبيلة لم تعتمد على الرعى وحده شأن قبيلة الأعشى، بل كانت تعتمد أيضا على الزراعة، فكانت نصف حضرية. وقد شاعت فيها النصرانية، أما قيس فظلت فى جملتها وثنية تعبد الأصنام. وليس هذا كله ما بينهما من خلاف، فبينما حنيفة لا يعرف


(١) ديوان الأعشى طبعة جاير، القصيدة رقم ٣٤، أبيات ٣٣ وما بعده.
(٢) المال هنا: الإبل.
(٣) جزارة: مصدر جزره أى ذبحه ومنه يسمى البسير جزورا.
(٤) الصريح: اللبن الخالص. الأجرد: الصافى.

<<  <  ج: ص:  >  >>