للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك كله لا يثقل عنده ولا نحس فيه بتكلف، ونجد عنده التورية التى اشتهر بها المصريون فى مثل قوله (١):

وشاعر شعره فنون ... لكل بيت له طنين

تسخن عين العدوّ منه ... قصائد كلّها عيون

فقد ورّى فى كلمة عيون المقابلة لعين العدو وهو إنما يقصد بها أبيات الشاعر النفيسة.

وللتورية أمثلة أخرى فى شعره ذكرناها فى كتابنا «الفن ومذاهبه فى الشعر العربى»، ونجدها كثيرة عند الشعراء بعده، مما يدل على أن ظهورها بمصر لم يتأخر حتى زمن القاضى الفاضل وأيام الدولة الأيوبية كما ظن ذلك صاحب الخزانة (٢). ومن يرجع إلى القسم المصرى من كتاب الخريدة للعماد الأصبهانى وما ترجم فيه من شعراء مصر فى القرن السادس الهجرى يلاحظ شيوع محسنات البديع على ألسنة شعراء القاهرة والإسكندرية، كقول ابن قلاقس فى وصف مغن (٣):

لا أشرب الرّاح إلا ... ما بين شاد وشادن

قم يا نديمى فأنصت ... والليل داج لداجن

طاوع على القصف والعز ... ف كلّ حاس محاسن

والقطعة جميعها على هذا النمط من الجناس بين القافية والكلمة السابقة لها، فشاد أى مغن تسبق كلمة شادن أى غزال، وكلمة داج أى مظلم تسبق كلمة داجن أى مغن، وكلمة حاس أى للشراب تسبق كلمة محاسن. وهو بذلك يصعب المرور إلى جناسه. وكانوا يكثرون فى أشعارهم من الطباق ولهم فيه صور كثيرة طريفة كقول ابن هانى الصغير فى وصف سيف (٤):

ومهنّد سبح الفرند بصفحه ... وطفا فيحسب معمدا مسلولا

والفرند ما يرى فى صفحة السيف مما يشبه دبيب النمل أو الغبار. ومن حين إلى حين نرى عندهم الاقتباس من الذكر الحكم وتضمين بعض الشطور للجاهليين والإسلاميين والعباسيين كما


(١) المغرب (قسم الفسطاط) ص ٢٤٤
(٢) الخزانة للحموى (طبعة بولاق) ص ٣٣٧ وما بعدها
(٣) الخريدة للعماد الأصبهانى (قسم شعراء مصر) ١/ ١٦١
(٤) الخريدة ١/ ٢٧٨

<<  <  ج: ص:  >  >>