للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قد نخضب العير من مكنون فائله ... وقد يشيط على أرماحنا البطل (١)

نحن الفوارس يوم العين ضاحية ... جنبى فطيمة لا ميل ولا عزل (٢)

قالوا الركوب فقلنا تلك عادتنا ... أو تنزلون فإنا معشر نزل (٣)

وقد ذهب بعض القدماء إلى أن البيت الأخير أشجع بيت لما صور فيه الأعشى قومه بأنهم يحسنون الطعان فرسانا كما يحسنون الضراب راجلين منوها بأن تلك سجية لهم درج عليها شيوخهم وشبابهم.

ونراه يكثر من وصف الصحراء وناقته، وهذا طبيعى لكثرة رحلاته وأسفاره، وهو فى هذا الموضوع يجرى على عادة الجاهليين، فيصور الأودية وما يجرى فيها من ظلام أو سموم أو مياه أمطار كما يصور طرقها الوعثة ورمالها ومناهلها ووحشتها وعزيف الجن ليلا بها، يقول فى معلقته:

وبلدة مثل ظهر التّرس موحشة ... للجنّ بالليل فى حافاتها زجل (٤)

لا يتنمّى لها بالقيظ يركبها ... إلا الذين لهم فيما أتوا مهل (٥)

جاوزتها بطليح جسرة سرح ... فى مرفقيها إذا استعرضتها فتل (٦)

وواضح أنه فى هذه الأبيات يفخر بتحمله لمشقات السفر فى مثل هذه الأرض الوعرة الصلبة الموحشة التى لا يسمع فيها صوت سوى صوت الجن والتى لا يركبها فى حمارّة القيظ واشتعال الرمال إلا من تعود الصبر واحتمال المكاره، ويقول إنه يقطع مثل هذه الأرض بناقة نضو أسفار ضامرة موثّقة الخلق صلبة قوية. وهو


(١) العير: حمار الوحش استعاره الفارس لأن العير يتقدم الأتن: الفائل: القناة الدموية كالشريان. يشيط: يهلك.
(٢) يوم العين: يوم كان بين بنى قيس بن ثعلبة وشيبان بجنب موضع فى البحرين يسمى فطيمة. ميل: جمع أميل وهو الجبان. عزل: جمع أعزل: من لا سلاح له.
(٣) يريد بالنزول التضارب بالسيوف.
(٤) البلدة: القطعة من الأرض. وشبهها بالترس لبيان أنها غليظة وصعبة على من ينفذ فيها. موحشة: كثيرة الوحش. زجل: صوت. حافاتها: نواحيها.
(٥) يتنمى: يرتفع. القيظ: شدة الصيف. مهل: أناة وصبر.
(٦) طليح: مهزولة لكثرة أسفارها. جسرة: ضخمة. سرح: سريعة. فتل: قوة وصلابة.

<<  <  ج: ص:  >  >>