للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنها نفيسة والأكل عمّ ... مطاعم إلى سناها القلب أمّ (١)

والأصل فى الأخباز أن تقمّرا ... وجوّزوا التّقديد إذ لا ضررا (٢)

ولا ريب فى أن شيوخ الأزهر وطلابه حين كانوا يسمعون منه شيئا من أشعار هذه الألفية يغرقون فى الضحك إغراقا، لأنه نقل أكثر صنيع ابن مالك فى ألفيته النحوية الجادة منتهى الجد إلى هذه الألفية الجديدة المضحكة غاية الضحك. ورأى أن لامية العجم للطغرائى تستولى على إعجاب الشعراء والناس منذ زمنه فى القرن السادس لما تحمل من حكم وخبرات تنفع الناس فى حياتهم وسلوكهم، فنظم على وزنها وقافيتها لامية فى المطاعم من مثل قوله:

أناجر الضّان ترياق من العلل ... وأصحن الرزّ فيها منتهى أملى (٣)

ولا خليل بدفع الجوع يرحمنى ... ولا كريم بلحم الضّان يسمح لى

طال التلهف للمطعوم واشتعلت ... حشاشتى بحمام البيت حين قلى

أريد أكلا نفيسا أستعين به ... على العبادات والمطلوب من عملى

وكانت لابن الوردى الشامى المتوفى سنة ٧٤٩ قصيدة لامية جعلها جميعا حكما وأمثالا، طارت شهرتها بين معاصريه ومن خلفوهم فصاغ على وزنها لامية حكمية فى الطعام، يقول فيها:

اجتنب مطعوم عدس وبصل ... فى عشاء فهو للعقل خبل

وعن البيصار لا تعن به ... تمس فى صحّة جسم من علل

واحتفل بالضان إن كنت فتى ... زاكى العقل ودع عنك الكسل

من كباب وضلوع قد زكت ... أكلها ينفى عن القلب الوجل

وطعام العدس والبصل وكذلك البيصار من الأكلات الشعبية المصرية، وهو ينهى عن أكلها ويدعو إلى أكل لحم الخرفان الضانى وما يتخذ منه من طعام الكباب واللحم المشوى.

وكان عامر بهذه الأشعار وما يماثلها يطرف معاصريه فى القاهرة ويسرّى عن نفوسهم بهزله ويجعلهم يستغرقون فى الضحك، بما يعرض عليهم فى أشعاره الفكهة من أصناف الأطعمة وألوان


(١) أمّ: قصد.
(٢) تقمر: كلمة عامية أى تعرض على النار
(٣) أناجر: جمع أنجر ويطلق فى العامية على أوانى الطعام وطهيه الكبيرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>