بمصر لعهد المماليك وتتكاثر الأعياد بها تكاثرا واسعا وتتسع موجات الغناء وفنون اللهو والتسلية، وارتقى حينئذ خيال الظل وأصبح مسرحا شعبيا عاما. وألممت بعد عرض المجتمع فى مصر للدعوة الفاطمية الشيعية الإسماعيلية وانصراف المصريين عنها، كما ألممت بالزهد وما كان بمصر من جماعات النساك وكيف أسس ذو النون المصرى التصوف الإسلامى ومبادءه الروحية وما يتصل به من الأحوال والمقامات، ويزدهر التصوف منذ زمن الدولة الأيوبية، ويتضح فيه اتجاهان: اتجاه فلسفى يمثله ابن الفارض واتجاه سنّى شعبى تمثله الطرق الصوفية، ومن أهمها الطريقة الشاذلية التى أسسها أبو الحسن الشاذلى، وقد تعددت فروعها لعهد المماليك تعددا واسعا، حتى بلغت أحد عشر فرعا، ومن أهمها الطريقتان:
الوفائية والخلوتية.
ومعروف أن مصر أدّت دورا عالميا عظيما فى تاريخ الحضارة الإنسانية، ولا تزال أهراماتها الشامخة تمثل هذا الدور تمثيلا باهرا، ويدين لها العلم بمعناه العالمى دينا كبيرا بما أدت له فى الهندسة والمعمار والطب والرياضة، وتظل جذوتها العلمية متقدة مهما اقتحم أسوارها من الجيوش المغيرة، على نحو ما هو معروف عنها فى عهد البطالمة إذ لم تلبث فى أيامهم أن استعادت نشاطها وأخذت ترسل أضواءها فى الفلسفة وغير الفلسفة. وما إن يمضى على دخولها فى الإسلام نحو قرن ونصف حتى تعود روحها العلمية إلى النشاط وإرسال أضوائها وشررها إلى العالم العربى، على نحو ما هو معروف عن ابنها ورش وحمل المغاربة والأندلسيين قراءته إلى أوطانهم، ولا تزال القراءة الشائعة فى المغرب إلى اليوم، وما يلبث الأندلسيون والمغاربة أن يتتلمذوا لعبد الرحمن بن القاسم تلميذ مالك، ويحملون عنه المذهب المالكى فى الفقه. وينزل مصر الإمام الشافعى ويعنى تلامذته المصريون بمذهبه الفقهى والمحاضرة فيه، ويأخذه عنهم تلامذة من الشام والعراق وإيران وينشرونه فى بلدانهم. ويكتب مؤرخها ابن عبد الحكم-لأول مرة-تاريخ الفتوح بمصر والمغرب، ويحمله عنه المغاربة وأهل الأندلس كما يكتب مؤرخها ابن هشام السيرة النبوية العطرة، ويحملها. المؤرخون لها فى العالم العربى جميعه مغربا وغير مغرب.
ويعنى حكام مصر-منذ عهد ابن طولون-بالحركة العلمية وإنمائها ويؤسس فيها الفاطميون جامعة كبرى تسمى:«دار العلم» كما يبنون الجامع الأزهر ويظل جامعة إسلامية