ومما يؤكد بوضوح ما كان بمصر من حركة شعرية خصبة أن نجد الصولى المتوفى سنة ٣٣٥ للهجرة يؤلف كتابا فى أخبار شعراء مصر.
وينزلها قبيل منتصف القرن الرابع المتنبى ويحدث نزوله بها حركة أدبية واسعة، ويظل الشعر بها نشيطا فى عهد الفاطميين، ويدل على ذلك من بعض الوجوه ما يروى من أنه لما توفى ابن كلّس وزير المعز وابنه العزيز رثاه مائة شاعر. وينثر الخلفاء الفاطميون ووزراؤهم العطايا والأموال على الشعراء، مما جعلهم يلهجون بالثناء عليهم، ويؤلف بأخرة من العصر الفاطمى الرشيد بن الزبير كتابا فى شعراء مصر سماه:«جنان الجنان ورياض الأذهان» سقط من يد الزمن، ويخص شعراءها فى القرن السادس الهجرى العماد الأصبهانى وزير صلاح الدين الأيوبى بمجلدين فى كتابه الخريدة، ترجم فيهما لنحو مائة وأربعين شاعرا، ويفد عليها فى أواخر أيام الدولة الأيوبية على بن سعيد الأندلسى صاحب كتاب المغرب ويخصها هى وشعراءها وكتّابها وحكّامها ووزراءها وقضاتها بستة مجلدات من كتابه ضاع أكثرها، وبقى منها القسمان الخاصان بالفسطاط والقاهرة، وحقّقا ونشرا. وتظل كتب التراجم فى عصر المماليك تترجم لكثيرين من الشعراء النابهين بمصر. وتألّقت حينئذ أسماء كثيرين منهم ونشرت دواوينهم كما نشرت طائفة من دواوين الشعراء فى العهدين الفاطمى والأيوبى.
وبقيت من هذا النشاط بقية أيام العثمانيين مما جعل شهاب الدين الخفاجى فى القرن الحادى عشر الهجرى يؤلف كتابا فى شعراء زمانه سماه:«ريحانة الألبا» خص مصر بالقسم الثالث منه، ونلتقى بتراجم كثيرين منهم بعد الخفاجى فى كتب التراجم والتاريخ وخاصة تاريخ الجبرتى.
ويكثر الشعر الدورى بمصر وتكثر مزدوجاته ومسمّطاته ورباعياته. وتكثر الموشحات وكان شعراء مصر قد أخذوا يتعرفون عليها فى أواخر أيام الدولة الفاطمية، ويتصدى لها الشاعر ابن سناء الملك فى أيام صلاح الدين والدولة الأيوبية فيضع لها عروضها كما وضع الخليل بن أحمد قديما عروض الشعر العربى على نحو ما يوضح ذلك كتابه النفيس:«دار الطراز». وقد ألحق بدراسته له فى الكتاب أربعا وثلاثين موشحة بديعة لكبار الوشاحين الأندلسيين، وأتبعها بخمس وثلاثين موشحة له، وبذلك أعدّ هذا الفن الأندلسى للذيوع والانتشار، فأقبل عليه شعراء مصريون وغير مصريين ينظمون فيه موشحات لهم رائعة،