للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لمجدهم الحربى على توالى العصور. وتلى الرسائل الديوانية فى الفصل الرسائل الشخصية مع الترجمة لأهم كتابها النابهين وقد استطاعوا أن يتحولوا بها من باب المناسبات وما يتصل به من مثل التهنئة والعتاب والاعتذار والاستعطاف والاستمناح إلى لوحات أدبية لوصف البطولة الحربية فى جهاد النصارى. وأكثروا من وصف الطبيعة على نحو ما نجد عند ابن خفاجة فى وصف نزهة، وأبى القاسم بن الجد فى وصف مطر بعد جدب شديد، واين أبى الخصال فى وصف ليلة قاسية البرد. وعقدوا فى بعض رسائلهم مناظرات رائعة بين الأزهار والرياحين، عقدها ابن برد وحبيب وأبو عمر الباجى وابن حسداى وحوّل الفقيه ابن سراج رسالة له فى الشفاعة لشخص يسمى الزّريزير إلى دعابة مرحة أودعها كل ما يميز طائر الزّرزور مما يتصل بريشه وأجنحته وهيئته وأفراخه وأعشاشه، وطارت الرسالة فى الأندلس وحاكاها كثير من الكتاب أمثال أبى القاسم بن الجد وأبى بكر عبد العزيز بن القبطورنه. وبذلك كله استحالت الرسائل الشخصية فى الأندلس على أيدى كتابها المجلّين-فى بعض جوانبها-إلى لوحات أدبية بارعة.

وتتميز الأندلس بكثرة الرسائل الأدبية الخالصة، ويعرض الفصل طائفة طريفة منها فى مقدمتها رسالة التوابع والزوابع لابن شهيد، مع إثبات أن لا علاقة لها برسالة الغفران لأبى العلاء وأن ابن شهيد استوحاها من إحدى مقامات بديع الزمان، ومع بيان أن ابن شهيد استطاع بها أن يبتكر قصة رائعة يدور الحوار بها فيما وراء الطبيعة فى عالم الجن وأن يضمنها نظرات نقدية وغير قليل من الفكاهة المستملحة. ويلمّ الفصل برسائل ابن برد الأدبية فى المناظرة بين السيف والقلم وفى وصف بخيل صاحب نخلة شحيح منتهى الشح، وتصوير صديق له يدافع بحرارة عن تفضيله لأهب الشاء-أو بعبارة أخرى جلود المعز-على البسط صيفا وشتاء، وقد استوحاها من رسالة سهل بن هرون فى فاتحة كتاب البخلاء للجاحظ وبيانه لفضل البخل وشحّ النفس على الجود والكرم. وتحدّث الفصل عن رسالتى ابن زيدون الهزلية والجدية، وأولاهما فى السخرية-على لسان ولادة مهوى فؤاده-بغريمه فى حبها: ابن عبدوس، وثانيتهما فى استعطاف أبى الحزم جهور حين زجّ به فى غياهب السجون، وهما أثران أدبيان بارعان. ويلمّ الفصل برسالة ابن غرسية الذميمة فى الشعوبية والردود المفحمة عليها، كما يلمّ بالرسائل النبوية التى ضمّنها كبار الكتاب من أمثال ابن الجنّان شوقا حارّا إلى زيارة الرسول صلى الله عليه وسلم وطلب الشفاعة. وتكاثرت المواعظ على نحو ما هو معروف عن منذر بن سعيد وأبى بكر الطرطوشى.

ويعرض الفصل أعمالا نثرية متنوعة لكتاب الأندلس المبدعين، وفى مقدمتهم ابن حزم

<<  <  ج: ص:  >  >>