والتعبيرات القرآنية والروح الصوفية الإسلامية. وهى بحق عمل فريد أصيل لابن طفيل لا سابقة له فى الآداب العالمية، وقد تأثر به الأدب الإسبانى كما يتضح فى قصة الصنم والملك وابنته الموريسكية التى ذكرها غرسية وأيضا فى قصة الناقد (الكريتيكون) الإسبانية لجراثيان المنشورة فى منتصف القرن السابع عشر والتى يقول منندث بيلايو عنها إنها تتطابق مع قصة حى بن يقظان تطابقا واضحا. وقد كتب على هداها فى سنة ١٧٠٩ الكاتب الإنجليزى دانييل ديفو قصته المعروفة:«روبنسن كروزو».
وتحدث الفصل بعد ذلك عن فن المقامات بالأندلس والتحامه بمقامات الحريرى المعتمدة على الكدية أو الشحاذة، مع عرض المقامات اللزومية للسرقسطى وخصائصها فى الأسلوب والمضمون، ومع بيان تأثير هذا الفن فى الأدب الاسبانى خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر للميلاد، إذ نشأ عند الاسبان-على هداه-ما سمّى بالقصص البيكارسية أو قصص الشطارة والشطار، وبطلها «البيكارو» يعيش-كبطل المقامات- على التسول والشحاذة مستخدما لذلك حيلا وخدعا شتى.
وألمّ الفصل برحلات الأندلسيين مبينا أنها تعددت عندهم بسبب أدائهم لفريضة الحج سنويا، وللإمام بمراكز الثقافة فى المشرق، وللسفارة الخارجية إلى ممالك النصارى الشمالية، وللسفارة الداخلية إلى الإمارات الأندلسية، ولزيارة ماوراء البلدان العربية فى آسيا وشرقى أوربا، ولمرافقة أمراء غرناطة فى عهد الأندلس الأخير فى رحلاتهم وكذلك فى مرافقة بعض سلاطين المغرب فى رحلاتهم. ومن أطرف رحلات الأندلسيين رحلة ابن جبير المتميزة بحسن العرض وجمال الأسلوب المرسل العذب.
وهذه الدراسة المستفيضة لتاريخ الأدب العربى فى الأندلس أثناء ثمانية قرون طوال جعلتنى أرجع إلى كل ما استطعت الاطلاع عليه من المصادر والمراجع الأندلسية المتصلة بكتب التاريخ والتراجم وكتب علوم الأوائل والعلوم اللغوية والدينية وكتب الشعر ودواوينه وكتب النثر وأعمال كتّابه، كما رجعت إلى طائفة من كتب المستشرقين والباحثين محاولا-بقدر ما أستطيع-أن أرسم هذه الصورة المستوعبة لأدب الأندلس مع تصحيح الأحكام المخطئة التى من شأنها الغضّ من مكانته الرفيعة ومن المدى الخطير الذى أثّر به فى الأدب الإسبانى والآداب الأوربية. والله-وحده-ولى الهدى والتوفيق.