للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشمال وهو متعدد الفروع غزير المياه، وينبع من شرقى إقليم قشتالة ويمر بإقليم أراجون فإقليم سرقسطة فى الثغر الأعلى فإقليم فطالونية ويصب عند طرطوشة جنوبى برشلونة.

ويليه جنوبا نهير الوادى الأبيض ويصب عند بلنسية، فنهير شقر بأوديته وفروعه الخصبة ويصب شمالى دانية، ثم نهير شقورة وعليه تقع مرسية، ويليه نهير أندرش ويصب عند المرية، فنهير البشرّات ويصب عند شلوبينيه.

والمناخ فى إيبيريا متباين لاختلاف أقاليمها، فهو فى الجبال وشمالى البلاد بارد، وهو دافئ فى الوديان بالوسط وفى الجنوب. ومناخ الأقاليم فى الشرق مناخ البحر المتوسط وتخضع له تلك الأقاليم فى نباتاتها وحيواناتها، بينما تخضع الأقاليم فى الغرب لمناخ المحيط الأطلسى ونباتاته وحيواناته وغاباته. وإيبيريا لا تساع مساحتها وقيام الجبال والهضاب فيها متعددة المناخ، فمناطق جبلية بها غابات وأحيانا معادن وبسفوحها مراع، ووديان وسهول بها زروع وبساتين، وهضاب بها قفار ومراع، وأحواض أنهار بها حبوب وبقول وحدائق ذات بهجة. ومن يعيشون فى تلك الأحواض وما بها من زرع وضرع تجرى حياتهم سهلة هيّنة، ومن يعيشون فى الجبال يتأثرون بوعورتها ومن يعيشون فى سفوحها والقفار ومراعيها يتأثرون بما يتأثر به أهل البوادى. وعلى هذه الشاكلة بينما نجد فى إيبيريا أهل مدن متحضرين نجد أهل جبال بائسين كما نجد رعاة متبدين، مما حال من قديم بين أهل إيبيريا وبين قيام وحدة جغرافية تؤلف بينهم وتجمع أشتاتهم.

وهذا الاختلاف فى أقاليم إيبيريا رافقه-منذ أقدم الأزمنة-اختلاف فى العناصر والأجناس البشرية التى كوّنت سكانها، وأول من سكنها الإيبيريون وهم قبائل من غالة والبسك، وسرعان ما أخذت أجناس وأمم تفد عليها، وكان أول الوافدين الفينيقيين، وفدوا عليها فى القرن العاشر قبل الميلاد للتجارة، وأقاموا بشواطئها الجنوبية مؤسسين على البحر المتوسط مدينة مالقة وعلى المحيط مدينة قادس، ووفد عليها بعدهم الإغريق فى القرن الخامس قبل الميلاد وأقاموا بشواطئها الشرقية الشمالية وهم الذين سموها إيبيريا وقد أسسوا بها مدينة برشلونة على البحر المتوسط، ووفد عليها بعدهم بنحو قرنين القرطاجنيون وأسسوا فى شرقيها مدينة قرطاجنة. واستولت عليها روما فى أواسط القرن الثانى قبل الميلاد، وكان جيشهم الفاتح لها خليطا من شعوب أوربية مختلفة إيطالية وغير إيطالية واستوطنتها بعض أسر رومانية، وأطلقت عليها روما اسم إسبانيا، وأشاعت فيها حضارتها ولغتها حتى إذا تنصرت أدخلتها معها فى النصرانية. وظلت خاضعة لها، حتى

<<  <  ج: ص:  >  >>