للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كتاب الإمارة العبّادية بإشبيلية، حتى إذا توفى سنة ٥٠٧ خلفه زميل له من كتاب تلك الدولة هو أبو القاسم بن الجد، وتوفى سنة ٥١٥ فخلفه الكاتب الأندلسى البارع ابن أبى الخصال، وكان يساعد الثلاثة جميعا كتاب من الأندلس. وقد ازدهرت فى عهد المرابطين العلوم اللغوية وعلوم الدراسات الإسلامية وكذلك الدراسات الفلسفية ولمع فيها فيلسوف كبير هو ابن باجة. وشجّع حكام المرابطين فى الأندلس الحركتين العلمية والأدبية وفتحوا أبوابهم على مصاريعها للشعراء، على نحو ما يوضح ذلك ديوان ابن خفاجة ومدائحه فيه لإبراهيم بن يوسف بن تاشفين الذى ألف الفتح بن خاقان باسمه كتابه قلائد العقيان، وكذلك مدائحه لأخيه تميم حاكم غرناطة ثم إشبيلية والأندلس ولأخيهما سلطان المرابطين: على ولابن تيفلويت حاكم سرقسطة راعى ابن باجة والحركة الفلسفية ولأبى عبد الله محمد بن الحاج حاكم قرطبة وابنه أبى بكر. وتبرز من نسائهم راعيات للأدب مثل مريم زوجة تميم بن يوسف ممدوحة ابن خفاجة، وأهم منها السيدة حواء زوجة أهم قوادهم سير بن أبى بكر حاكم إشبيلية مددا متطاولة ممدوحة الأعمى التطيلى، وكانت لها ندوة فى قصر الإمارة يحضرها كبار الشعراء والمتفلسفة، وتحاورهم فى الشعر ونقده على نحو ما حدث فيما بعد بفرنسا فى القرنين السابع عشر والثامن عشر وظهور سيدات متأدبات فيها على غرارها، وكان لهن صالونات يتحاور فيها أدباء باريس النابهون.

وحقا كان لفقهاء المالكية سطوة كبيرة فى عصر المرابطين، وهى سطوة لا ترجع إلى المرابطين ذات أنفسهم، وإنما ترجع إلى أن هذا العصر أتى بعد عصر فساد فى الحكم انتشر فيه اللهو، وأصبحت الأندلس أندلسات وإمارات كثيرة بل شراذم، والجيران والإخوان يتحاربون، والعدو فاغر فاه، يكاد يلتهمهم جميعا، مما جعل الفقهاء يستغيثون بالمرابطين وابن تاشفين كى ينقذوا الأندلس مما تحولت إليه من دار لهو كبيرة ممزقة، واستنقذها المرابطون ومن ورائهم ومعهم الفقهاء يؤيدون ويساعدون، فكان طبيعيا أن يعظم شأنهم فى هذا العصر بالقياس إلى عصر أمراء الطوائف عصر اللهو والفساد. وكان من أخطاء بعضهم أن أفتوا بأن الغزالى مجدد الإسلام المصلح يعد من المبتدعة، مما أدى إلى ظهور حركة دينية إصلاحية جديدة هى حركة الموحدين التى عجلت بسقوط دولة المرابطين.

وفى هذه الأثناء انتهز نفر من رؤساء المدن فى الأندلس الفرصة فاستقلوا بها، وكان أولهم ابن حمدين قاضى قرطبة وتبعه فى بطليوس ابن قسى وفى المرية يوسف بن مخلوف ثم الرميمى وفى مرسية عبد الله بن عياض ثم صهره ابن مردنيش وتبعته بلنسية وطرطوشة

<<  <  ج: ص:  >  >>