للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

«إن بعض كرائمنا سألننا تجديد العهد لديهن بالركوب معهن للنزهة على مقتضى العادة، فاخرج من فورك فانظر فى إقامة ما يحتاج إليه للنزهة على مقتضى العادة واعجل بذلك فإنا متحركون صبيحة (١) غد» ويبدو أن الأميرات كن يبرزن للشعب سافرات يدل على ذلك ما ذكره ابن حزم فى رسالته: «نقط العروس» من أن رسيس كانت سيدة مهيبة اتصلت بعبد الرحمن الناصر ونالت عنده مكانة رفيعة مما جعله يركبها فى موكب له ذات يوم على بغل خلفه سافرة بقلنسوة وشقّ بها الربض الغربى كله بقرطبة إلى مدينته الزهراء (٢). ومما يدل على ما كان للمرأة الأندلسية من منزلة أن نجد بينهن كاتبات أو كما نقول الآن سكرتيرات للأمراء والخلفاء مثل مزنة كاتبة عبد الرحمن الناصر كما يقول صاحب (٣) الصلة، وأيضا كاتبته كتمان (٤) كما يقول صاحب الذيل والتكملة، ومثل لبنى (٥) كاتبة ابنه الحكم المستنصر كما فى الصلة. واشتهرت فى الأندلس غير شاعرة حتى ليترجم المقرى لعشرين منهن، وسنلم بذلك فى الفصل التالى. ويبدو أن كثيرات من النساء وخاصة فى البيت الأموى كن يتقن أرقى الآداب الاجتماعية مع حيازتهن للثقافة ونظمهن للشعر مما أعدّ لظهور ولاّدة بنت الخليفة المستكفى واتخاذها فى قصرها ندوة أدبية كان يحضرها ابن زيدون وغيره من الشعراء والأدباء. وظل ذلك فى الأندلس، فكانت هناك سيدات من البيوت الرفيعة تحذو حذو ولاّدة فى اتخاذ ندوة أدبية لها، حتى فى عهد المرابطين الذين يقال عنهم إنهم كانوا محافظين، إذ نجد سيدة شريفة من بيتهم هى السيدة حواء زوجة سير بن أبى بكر-الذى مهّد بحسن قيادته ليوسف بن تاشفين حكم الأندلس وظل حاكما على إشبيلية اثنين وعشرين عاما-تتخذ لنفسها ندوة مماثلة لندوة ولاّدة، وسنعرض لها فى ترجمتنا للأعمى التطيلى ومدحه لها بقصيدة بديعة. وعلى شاكلتها وشاكلة ولاّدة تلقانا حفصة الركونية وندوتها الأدبية فى عصر الموحدين وسنترجم لها مع أبى جعفر بن سعيد فى حديثنا عن الغزل.


(١) انظر المقتبس (بتحقيق د. مكى-طبع بيروت) ص ٢١.
(٢) راجع نشرتنا لتلك الرسالة فى الجزء الثانى من المجلد الثالث عشر من مجلة كلية الآداب بجامعة القاهرة ص ٧٣ - ٧٤.
(٣) الصلة لابن بشكوال رقم ٦٥٤.
(٤) الذيل والتكملة للمراكشى (طبع المغرب) ٨/ ٢/٤٩١.
(٥) الصلة رقم ٦٥٣ وبغية الملتمس رقم ١٥٨٩ وكانت بارعة الخط نحوية عروضية شاعرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>